TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
إسْتِشرافُ المُسْتَقبل ضرورة وليس ترفا
05/05/2020 - 9:15am

طلبة نيوز - بقلم: م. عادل محمد المساعده

مِمَا لا شَكَّ فِيه، أنَّ هُناكَ كَثِيراً مِنَ الْمَفاهِيمِ والْمُصطَلحاتِ التي يَتِمُّ تَردِيدُها وَتنتُهجُها الْدِولُ فِي الظُروفِ الْطَبيعيةِ تَكتسِبُ أهَميةً أكبر عِندَ حُدوثِ الأزمات، مِما يَجعلها تَحتلُّ واجِهةَ الأحدَاثِ وتَصْبحُ ضَرورةً مُلحّةً، وعَلى الحُكوماتِ أنْ تكونَ أكثرَ جِديةُ في تبَنيِها كوَسيلةٍ للتَخفِيفِ مِن آثارِ الكَوارثِ حَالَ حُدوثِها.

إنَّ الحُكوماتِ لَمْ تَعُد تَمتلكُ خِيارَ رَفاهيِةِ التَروي في الوَقتِ الذي يَموجُ فيه عالَمُنا المُعاصِر بالمتَغيراتِ المُتلاحِقة، وصَار لِزاماً عَليها أنْ تتَبنى مَهاراتٍ قابلةٍ للتطْبيقِ، تُمكنُها مِن تَطويرِ اسْتراتِيجياتِها من خِلالِ وَضعِ مُبادراتٍ وسِياساتٍ إسْتباقيةٍ، مَبنِيةً عَلى القِراءَاتِ والتَحليلاتِ لِواقعِ الأزمةِ التي نَعيشُها وِفقَ مَنهجٍ عِلمي بحيثُ يتمُّ الاعْتمادُ عَليها قي مُواجهةِ أحداثِ وتَقلباتِ المُستَقبل.

إنَّ ظُهورَ الأزماتِ بِكافةِ أشكالِها سُننٌ كَونيةٌ، وسَيتولدُ عنها آثارٌ قَصيرةٌ وطويلةُ المَدى، لا بدَّ منَ الإسْتعدادِ لمواجهتِها والتَقليصِ من مَخاطِرها ما أمكن، كَما أنَّ عَدمَ الإسْتقرارِ في مَظاهرِ الحياةِ المختلفةِ حقيقةُ لا يُمكنُ التَغافلُ عَنها مِما يَجعلُ مِن تبَني مَفاهِيمَ قَادرةٍ على اسِتيعابِ ما قد نَشهدُه مِن تَحولٍ وتغيُّرٍ ضرورةً مُلحةً، وهُنا تَبرزُ أهميةُ اسْتشرافِ المُستقبل Future Foresight باعْتبارِه حَقيقة راسِخة في الجِبلَّةِ الإنْسانية، فَمن خِلالِه يَتمُّ فَهمُ وادْراكُ التَطوراتِ التي قَد تَحدثُ على المَدى البَعيد والإسْتعدادُ والتَخطيطُ لِهذه المتَغُيراتِ التي يَكتنفُها الغُموضُ مِن خِلالِ تبَني منَهَجياتٍ وأساليبَ علميةٍ حَديثةٍ وافكارٍ مُستَحدَثة.

مَعِ الأسفِ الشَديد كان اسْنشرافُ المُسْتقبل قَبلَ ازمةِ كُورونا تَتمُّ صِياغُته والتعاملُ مَعه كَحالةٍ من التَرف، وَكانتْ الهُوةُ كَبيرةً بيَنَ النَظريةِ والتَطبِيق مِما جَعلَ دورَه مَحدوداً ولَم يَصلُ الى مُستوى تُمَكنهُ مِن الإسِتشعار والتَنبؤ أو تَوقع مَا حَدث، ومِن هُنا تبَرزُ أهميةَ دَورِ القِباداتِ العُليا في الدَّولة في تَعزيزِ ودَعم وتَرسِيخ فِكرِ وثَقافةِ ومَفهوم اسْتشراف المُستقَبل وجَعْلهِ عَملاً مؤسَسياً يُؤدي دورَه كجزءٍ من عَمَليةِ التَخطيطِ الإسْتراتيجي للدَولة.

إنَّ هَذه الأْزمة التي واجهت العالم سَتؤدي حَتماً الى تَغيُّراتٍ اقْتصَاديةٍ وَتنمَويةٍ واجْتماعيةٍ وتكِنولوجيةٍ وبيئيةٍ وفكريةٍ ونَفسِّيةٍ وقانونيةٍ وسياسيةٍ، وفي ظلِّ الظُروفِ الحَاليةِ والمُستَقبلِ الذي يلِفُه الغُموضُ، فإنه يَتوجبُ على الحُكومةِ بَذلَ جُهودٍ كَبيرةٍ في مُعالجــةِ تداعياتها والإسْتعدادِ للمُتغيِّراتِ المُحتملةِ في السَنواتِ القَادمةِ، والإسْتجابة بشكلٍ إستباقي للمُتعيراتِ وتشْخيصِ الأحْداثِ المُستَقبلية، لأنَّ القَادمَ عَظيمٌ وبحاجةٍ إلى ضَوابطَ كَبيرةٍ واتخاذِ قراراتٍ مَبنيةٍ عَلى دِراساتٍ دَقيقةٍ لإسْتشرافِ المُستقبل لكافةِ القطاعاتِ التي تُشكِل الحِراك التَنمَوي، وَوضعِ الخططِ والسِياساتِ مما يَجعلُ الدولةَ أكثرَ جاهزيةٍ في مُواجهةِ الأخطارِ.

وضِمنَ هذا الإطارِ فإنَّ اسْتشرافَ المُستقبل يُعزِّز التَوجُهاتِ من خِلالِ تَحديدِ واكْتشافِ مُحرِكاتِ التَغيير ودِراسةِ وتَحليلِ نتائجِها للتَعرفِ على الأحداثِ المُحتملةِ والمُفاجِئةِ والخارجةِ عن الحُسبان ، وتقدير كل الإحتمالات والإستعداد للأسوأ لا سمح الله والتي تَعِينُ على إتخاذِ القَرار السَّليم في الوقتِ المُناسب.

هُناكَ اكثرُ مِن اسْلوبٍ لاسْتشرافِ المُستقبل مثل، تَقنية دِيلفي Delphi method، تَقنية التَنبؤ ، تَقنية المُحاكاة ، إلا أنَّ اعْتمادَ تَقنيةِ السِيناريوهاتِ البَديلةِ Scenario Planning والمُعدة مُسبقاً كَسيناريوهاتٍ مُستقبليةٍ محُتملةٍ ومُتوقعةٍ ومُوائمة لتحقيقِ رؤيةِ واسْتراتيجيةِ الدَولةِ تُتيحُ لصانِعي القَرار من التَعامل مع الأزَمات المُحتملة وِفقاً لطِبيعِتها وحَجمِها ويُمكنها من وَضعِ سِياساتٍ وتَشريعاتٍ تُواكبُ المُستقبلَ وتُحققُ الرؤيةَ الإستراتيجيةَ، لأَن النموذجَ النَمطي الذي يَعتمدُ على الحَدسِ والخِبرةِ الذاتيّة في التَنبؤ بما قد يَحملُه المُستقبلُ من تَغيِيراتٍ وتَحدياتٍ لَم يَعد كَافِياً للتعاملِ مع الأزماتِ الكبيرةِ والتي تَحتاجُ مواجهُتها الى قَاعدةٍ كَبيرةٍ من البَياناتِ والمَعلوماتِ من جِهة وفَهمٍ وإدراك للماضي والحَاضر والمُستقبل من جِهةٍ أخرى.

وفي الختامِ ، وتَعزيزاُ للرؤى والتَوجُهاتِ المَلكيةِ الحَكيمةِ والرسائل التي يبثها جلالة الملك ويتابع أدق التفاصيل كما لاحظنا خلال اشرافه المباشر والمُستمر، وتَكمُنُ أهَمِيَةُ تَشكيلَ لَجْنةٍ عَلى مُستوى عَالٍ تَتمتعُ بالصِفةِ القَانونيةِ والإدارِّية، وَتضُم نُخْبةً مِنَ الخُبراءَ وَالباحِثين والأكادِيميين وأصْحابِ الإخْتصاصٍ في قِطاعاتٍ اسْتراتِيجيةٍ وحَيويةِ تكونُ لَديهمُ القُدرةُ على صِناعَة المستقبل Future Shaping ، ووَضعِ سِيناريوهاتٍ لاسْتشْراف التَوجُهاتِ والتَحدياتِ المُستقبليةِ ورصد وتَحليلِ آثارِها ومُواكبتِها وصِياغةِ المُحرِكاتِ وَوضعِ الحُلول عن طريقِ التَفكيرِ بطريقةٍ مُبتَكرةٍ وغَير نَمطيةٍ، والعَمل على إعدادِ خطةٍ اسْتشرافيةٍ للمُستقبل ترَتكزُ عَلى هَذِه السِيناريُوهاتٍ الَتي تُحَدَّدُ الرُؤى والأَفْكارِ المُسْتِندةِ الى البَياناتِ بِحَيثُ تكَونُ فَرضِياتُها أقربَ إلى الوَاقع، والإعتماد عَليها كَقاعدةٍ قي مُواجهةِ التَحدياتِ وعَدم ترْك أيَّ مجالٍ للصدفةِ، ولا ضَيرَ مِن تَبادلِ المَعرفةِ مَع الدِولِ التي قَطعتْ شَوطاً كبَيراً في التَخطيطِ المُستَقبلي في سَبيلِ الوصُولِ الى الأَهْدافِ المَنشُودة.

الامارات العربية المتحدة – دبي

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)