TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
- أُمّهاتٌ برسمِ المَوت –
22/03/2016 - 3:15am

طلبة نيوز- تأملات في عيد الأم بقلم الدكتور : حامد أبو صعيليك

تتعالى نبرة الحديث عن الأم في هذا اليوم من كل عام – وافقنا الفكرة أم خالفناها – حللنا الفكرة أم حرمناها – وتمنحنا الفضائيات والإذاعات ، والمعارض التجارية إحساسا جارفا بهذا اليوم ، إذ تتلون الشاشات – صوتا وصورة - بألوان الحب وقلوبه ، وتغرينا مطويات العروض التي يحرص أصحابها على خدمتنا وخدمة أمهاتنا – كما يزعمون – بأثمان يقسمون على أنهم لم يربحوا فيها لكل من يطمح أن يهدي والدته خلاطا أو طنجرة ، ثلاجة أو جلاية .
ويسهم مواطننا العربي كعادته في إقرار هذا اليوم ، فتطفح مواقع التواصل ببطاقات التهاني ، وتتطاير على مرآى أبصارنا ومسامعنا آلالاف البوستات التي تتزين بالقلوب الحمراء وكل ألوان الحنان والحب والتمجيد والتبجيل للأمهات الآتي أنجبن وسهرن وتعبن ، ويتراءى في المقابل مشهد آخر لمئات البطاقات التي تتوشح بالسواد ، وتقطر بالدمع حزنا على من فقدنا من أمهاتنا ، وقد جاء عيدهنّ لاستذكارهنّ ، والشعب العربي كعادته يتحين فرص المآتم والأحزان ليجعل منها شماعة يعلق عليها ألمه حتى يلطم خده ويبكي فشله وهزائمه .
وبين هذا المشهد وذاك مشهد آخر لأمهات تحترق عيونهن ألما ، وتنزف قلوبهن دما ، أمهات لم يعرفن لفكرة الأعياد مذاقا ولا تذق مآقيهن نوما ، أمهات برسم الموت وأخريات برسم الحزن ، أمهات يتهددهن الغدر كل لحظة ، غدر الطغاة الذئاب الذين اغتصبوا ومزقوا وزرعوا في تربة الأوطان الوباء وفي هوائها البلاء ، أمهات ترتعد قلوبهن كل ثانية مما قد يلحقه الشر الأسود والإرهاب الأعمى بأوطانهنّ أو بأسرهنّ .
كم من أم تنتظر هديتها في الصباح رصاصة موجهة أو قذيفة ذكية ! كم من أم صبّحها اليوم صاروخ عابر للأوطان وللأحلام ! وأيقظها من نومها هدير الطائرات الشقيقة والصديقة ! وكم من أم أمطرتها السماء براميل من – الهدايا – المتفجرة ، ردمت منزلها على رأسها ورأس أهلها!.
كم من أم أرعبها الإرهاب هنا وهنا ، خطفها أو خطف منها أبناءها! كم من أم هجرت بيتها ووطنها بين نزوح تارة ولجوء أخرى ،منذ أن صدّر لنا المتحضرون الديمقراطيون هذين المصطلحين الخبيثين ! كم من أم ترتجف على شواطئ أوطانها أملا في هجرة سمّاها العالم – غير شرعية – لكنه لم يسم فعله الأسود في وطنها – غير شرعي – التشريع وغير التشريع باتت مسألة نسبية تحكمها سلطة تشريعية تخجل من فظاعتها " شريعة الغاب " ..
كم من أم في عالمنا المردوم على رؤوسنا ، صبّحتها اليوم رسالة أو مكالمة أو خبر عاجل أو آجل باستشهاد ابنها أو زوجها أو خطفه أو أسره!
كم من أم ترتجف الآن في خيمة لجوئها وأخرى لم تحلم بعد بخيمة ألقى بها زمانها الظالم على حدود بلادها ! لم نعد نتكلم اليوم عن عقوق الأبناء للأمهات ، ولم يعد يخطر في بالنا أمهات في دور الرعاية أو ما يعرف بدور العجزة – مع الاعتذار عن فظاظة التعبير- لم نعد نتكلم عن هؤلاء فقد باتت تلك موضة قديمة تجاوزنها في عالمنا المتحضر المتعلم .
نحن اليوم نحتفل بأمهات – من العيار الثقيل – لا تعرف ثقافة العالم المتقدم مثلهن ، أمهات أضحى لون الورد الأحمر في ثقافتهن شؤما ، وصارت قلوب الحب في مخيلتهن رعبا ، إذ إنه رمز لقلب ابنها الشهيد ، أو زوجها المغدور ، أو شقيقها المأسور ، أو رمز لقلوب أفراد أسرتها المبادة ، أو مدينتها المزلزلة أو وطنها المنتهك !
ليس من حق أحد أن يحرم ابنا من الاحتفاء بأمه أو أم من الاحتفاء بأبنائها ، لكن الأمهات الشهيدات أو من هنّ برسم الموت أو الحزن ، وأمهات الشهداء والأسرى لهن فضل التفرد ولهنّ حق الاحتفاء بهنّ ، ولهنّ الحقّ أن تتحول أحاديث اليوم لهنّ وحدهنّ ، وأن تتوقف منذ اللحظة أحاديث الأعياد ، ونغمات الغناء ، وصنوف الإهداء ، فالأم في شرعنا وعرفنا لها كلّ الأيام فهي عيدها وفرحتها ، وإن نستذكر في هذا اليوم أجساد أمهات برسم التمزق ، وقلوب أمهات برسم التفتت ، علينا منذ اللحظة أن نخجل من ثقافتنا ، وأن نعود لرشدنا فاليوم هو يوم الأمهات الشهيدات وأمهات الشهداء ، فإكرام أمهاتنا بإكرامهن .
 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)