طلبة نيوز-
أ.د. محمد إسماعيل الوديان
أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز التطوير الأكاديمي وضمان الجودة
جامعة العلوم والتكنولوجا الأردنية
مقدمة
يعيش العالم المعاصر عصر الثورة العلمية والتكنولوجية كما فرضت العولمة تكتلات ونظام عالمي جديد تشكل الدول النامية فيه الحلقة الأضعف وستبقى كذلك ما لم تضع الترتيبات اللازمة لفحص هذه المتغيرات وتحديد متطلبات الاستجابة لها والتفاعل الايجابي معها والتعرف على الفرص والمخاطر الكامنة فيها وتهيئة مؤسساتها لتكون قادرة على مواكبة هذه التغيرات بما يعود بالنفع للمجتمع الذي تخدمه.
والتعليم العالي العربي كنظام محوري تعقد عليه الآمال في تنمية مجتمعاته والحفاظ على هوية الأمه بأمس الحاجة لأن يكون واعياً بهذه المتغيرات. لكن هذه التحديات الخارجية ليست كل ما يواجهه التعليم العالي العربي ، اد هناك تحديات محلية تتمثل في ازدياد الطلب عليه، والحاجة إلى موائمة مخرجاته لاحتياجات مجتمعه، ومعالجة نواتج سياسات العقود الماضية التي ركزت على التوسع دون ضوابط لتضمن الحد الأدنى من الجودة.
وللولوج في الموضوع, لا بد من التنويه الى أن مؤسسات التعليم العالي الأردنية وبتوجيه ودعم مباشرين من جلالة الملك تشهد حراكا غير مسبوق تصبو من خلاله الى تحقيق الجودة والاعتماد والريادة, ألأمر الدي يعني بالضرورة المرور بعملية تغيير مخطط طويلة على أسس علمية. ويعرف التغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي بأنه تعديل هادف ومقصود في البنية التنظيمية أو في سلوك العاملين ، يكون استجابة لضغوط من خارج المؤسسة أو من داخلها. ولا بد من أن نعي أن عملية التغيير في مؤسسات التعليم العالي عامة والجامعات خاصة عملية معقدة وصعبة بحكم مكونات هذه المؤسسات وحتمية وجود قوى لمقاومة التغيير.
ولا لايمكن أن يتحقق التغيير المنشود في مؤسسات التعليم العالي العربي إلا بالفهم العميق والتطبيق السليم لأسس ومبادئ تخطيط وإدارة التغيير، ذلك أن التغيير الناجح في هذه المؤسسات يتطلب تحديد أهداف التغيير ، وأبراز دوافعه والحاجة اليه ، والتوعية بأهميته والفوائد العائدة منه ، وإدراك أن للتغيير قوى تقاومه وتعيقه لابد من فهم مصادرها واسبابها النفسية والثقافية والاجتماعية والمؤسسية، واختيار الآليات والاستراتيجيات المناسبة للتعامل معها ومحاولة كسبها لصالح التغيير أو التقليل من آثارها السلبية عليه . كما يتطلب التغيير في مؤسسات التعليم العالي العربي وجود قوى تدافع عنه وتقوده إلى أن يحقق أهدافه ، ولابد أن يتوفر في هذه القوى القدرة على التأثير والإلتزام بالتغيير والمعرفة بأساليب تنفيذه. يضاف إلى ذلك أن التخطيط الناجح للتغيير في مؤسسات التعليم العالي العربي يتطلب العمل على توفير المقومات اللازمة لنجاحة، سواء مايتعلق منها بأفراد المؤسسة أو بيئتها الخارجية أو بنيتها التنظيمية.
مفهوم التغيير المخطط:
التغيير في مؤسسات التعليم العالي إما أن يحدث بدون تخطيط متخصص، وإما أن يحدث نتيجة جهود هادفة ومقصودة ، ويسمى تغييراً مخططاً، وتختلف تعاريف التغيير المخطط باختلاف المنطق الذي ينطلق منه هدف التغيير وعملياته ونتائجه. وهناك نوعان من التغيير المخطط: التغيير المتدرج ، والتغيير الجذري. ويعرف التغيير المتدرج بأنه إضافة أو تحسين مقصود في المؤسسة دون تبديل جوهري في عناصرها الأساسية, أما التغيير الجذري فيعرف بأنه التغيير الذي ينتج عنه استبدال الأهداف القائمة للمؤسسة بأهداف أخرى ، وتوجيهها وجهة مختلفة عما كانت عليه قبل حدوث التغيير.
ومن التعاريف المختلفة للتغيير المخطط, يمكن النظر إليه في مؤسسات التعليم العالي على أنه تعديل هادف ومقصود في سلوك أفراد المؤسسة ، أو في بنيتها ووظائفها ، أو فيهما معاً " الأفراد, وهذا التعديل قد يكون جزئياً أو كلياً، متدرجاً أو دفعة واحدة. كما أنه لا يدخل في هذه التعاريف ذلك النوع من التغيير المسمى بالتغيير غير المخطط والذي يحدث نتيجة تفاعل قوى المؤسسة دون قصد أو تدخل أو تخطيط مسبق من الأفراد والجماعات العاملين فيها أو في بيئتها الخارجية .
ويمكن تصنيف التغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي إلى أنواع وفقاً لعدد من المتغيرات أو الخصائص مثل شموليته, تردد حدوثه, مداه الزمني, مصدر الضغوط المحفزة له, وغيرها. ولابد للتغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي من أهداف محددة توجه مساره وتقود عمليات تطبيقه، وتختلف أهداف التغيير المخطط حسب طبيعة التغيير ونوعه ومداه ومكانه وزمانه والظروف التي قادت إليه ، الأمر الذي يجعل من الصعب القول بأن هناك هدفاً واحداً عاماً ونهائياً لكل أنواع التغيير. على أنه من الممكن تحديد الأهداف الوسيطة للتغيير في التالي : 1- تغيير الاتجاهات 2- تغيير السلوك 3- التغيير في المعايير والقيم السائدة بالمؤسسة. وتعد هذه أهدافاً وسيطة انطلاقاً من الافتراض بأن إحداث أي تغيير في المؤسسة ، يمكن أن يتم من خلال التغيير في المعايير والقيم السائدة فيها ، أو من خلال التغيير في الاتجاهات الذي ينتج عنه تغييرٌ مصاحبٌ في السلوك الذي يدعم هذه الاتجاهات.
أما أهمية التغيير للمؤسسة فإنها تتوقف على درجة الحاجة للتغيير وعلى نوع التغيير ومداه وعمق الآثار الإيجابية التي يحدثها في المؤسسة. وتوضيح أهمية التغيير للعاملين بالمؤسسة من الأمور المساعدة على تهيئتهم لقبول التغيير ودعمه والمساهمة في إنجاحه. وبشكل عام فإن تبني مدخل التخطيط للتغيير في المؤسسة يحقق لها بعض الفوائد مثل:
1- تجديد الحيوية داخل المؤسسات . 2- تنمية القدرة على الابتكار . 3- إزكاء الرغبة في التطوير والتحسين والارتقاء . 4- زيادة القدرة على التكيف والتوافق مع متغيرات الحياة والبيئة المحيطة بالمؤسسة . 5- الوصول إلى درجة أعلى من القوة في الأداء والممارسة وذلك من خلال الكشف عن جوانب الضعف وعلاجها ، وتحديد جوانب القوة والعمل على تعزيزها .
والتغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي لا ينشأ من فراغ، إذ لابد أن يكون خلفه دافع وتحركه حاجة وتقتضيه ضرورة قد تكون اما دوافع قصيرة الأجل ومنها ، زيادة الإنتاجية، زيادة مستوى الانسياب في العمل، تخفيض التكلفة، الارتقاء والتطور, أو دوافع متوسطة وطويلة الأجل منها إعادة الهيكلة ، تطوير البنية، توسيع قاعدة الإنتاج. ومصادر التحفيز للتغير في نظام التعليم العالي إما أن تكون داخلية مصدرها النظام نفسه، أو خارجية مصدرها الضغوط التي تمارس على هذا النظام من البيئة الخارجية. وقد حددت احدى الدراسات المصادر التي حفزت التغيير في مجال التعليم العالي بالتالي:
1- النظرة إلى التعليم العالي كوسيلة فعالة لتدريب القوى البشرية اللازمة لتحديث المجتمع وتطويره تكنولوجياً
2- تغير النظرة إلى رسالة الجامعة من مكان لإعداد النخبة الاجتماعية إلى أداة للحراك الاجتماعي والارتقاء بالوضع الاجتماعي والاقتصادي لأفراد الطبقة الاجتماعية الفقيرة ، ووسيلة لخلق الفرص الوظيفية لأفراد المجتمع
3- تزايد المسؤوليات الملقاة على عاتق التعليم العالي واتساع نطاق الأدوار المطلوبة منه من قبل الحكومة والقطاع الخاص وجمهوره الداخلي ، والضغوط التي تواجهه من كل هؤلاء للاستجابة لاحتياجاتهم ومتطلباتهم.
4- المطالبة بجعل برامج التعليم العالي ومناهجه أكثر ملاءمة لظروف المجتمع واحتياجاته الخاصة
5- الأزمات والتغييرات الجذرية التي يمر بها المجتمع في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية
7- الضغوط الطلابية نحو الحصول على دور أكبر في عملية صناعة القرارات الأكاديمية
8- التوسع الكبير في القبول وفي البرامج الأكاديمية بالتعليم العالي وما ترتب عليه
وخلاصة ماسبق ، أن التغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي يختلف من حيث نوعه وأهدافه وأهميته ودوافعه ، لذا ينبغي العمل مسبقاً على توضيح نوعه ، وتحديد أهدافه ، وإبراز أهميته ، وتقدير الدوافع المحفزة للقيام به ، ذلك أن كل هذا يساعد في تقليل إمكانية مقاومة التغيير ، ورفع فرص نجاحه وتزايد أنصاره ومؤيديه.
يتوقف نجاح التغيير المخطط في مؤسسات التعليم العالي على حصيلة التفاعل بين نوعين من القوى هما: القوى الايجابية المناصرة للتغيير، والقوى السلبية المقاومة للتغيير. ذلك أن التغيير يحتاج التغيير إلى فريق لقيادته ، وتقع على عاتق قائد التغيير مسؤولية اختيار الفريق الذي سيعمل معه ، ومن الاعتبارات المهمة في اختيار أفراد الفريق مايلي : 1- أن تكون المجموعة ممثلة لكل وحدات وتخصصات المؤسسة ، 2- أن يكون أفرادها قادرين على العمل معاً بفاعلية ، 3- التوافق والتشابه في الإهتمامات ، 4- تنوع الخبرات ، 5- التمتع باحترام الآخرين .
ويرى آخرون أن فريق التغيير لابد أن تتوفر فيه الخصائص التالية اضافة لما سبق:
1- التخصص في جمع البيانات . 2- الالتزام والحماس في دعوة الآخرين وحثهم على القبول بالتغيير . 3- القدرة على التعامل بأسلوب سياسي في إنجاز الاعمال والمهام . 4- المعرفة العلمية بعمليات التغيير وقضاياه في المؤسسة . 5- الاطلاع الجيد على استراتيجيات التغيير. 6 - الخبرة العملية السابقة في مجال التغيير 0
وينبغي على قائد التغيير تفعيل مشاركة أعضاء فريق التغيير من خلال بعض الإجراءات التي منها : توضيح الأهداف ، واستغلال مواهب كل الأعضاء ، ومواجهة التناقض وعدم الاتفاق بصورة لاشخصية ، وعمل الفريق وفق جدول أعمال واضح وإجراءات محددة ، والسير وفق تسلسل مناسب لحل المشكلات ، والسعي إلى تطوير مهارات القيادة لدى كل عضو .
كما ينبغي على فريق التغيير إدراك أن فاعليتهم تتوقف على فهم كل منهم لدوره في الفريق ، ودور الفريق ككل في المؤسسة ، كما تتوقف على تفاهمهم وتعاونهم ودعمهم لبعضهم البعض واستخدامهم للتناقض استخداماً إيجابياً وينبغي على قيادة التغيير التعرف على الأفراد والجماعات المؤثرة في الحرم الجامعي والسعي إلى كسب دعمهم وتأييدهم للتغيير، ومن هؤلاء الأفراد والجماعات المطلوب كسب دعمهم للتغيير :
1- القيادة العليا في الجامعة كرئيس الجامعة ونوابه . 2- جماعات المصلحة في التغيير بالحرم الجامعي . 3- صناع القرار على مستوى الإدارة العامة والإدارة الأكاديمية كالعمداء ورؤساء الأقسام العلمية. 4- أكبر عدد ممكن من أعضاء هيئة التدريس المساهمين في صياغة خطة التغيير وفي الحملة المخصصة لإنجازها . 5- الأعضاء الميالين للإبتكار والتجديد . 6- الباحثين الذين على صلة بأفكار التغيير والابتكار خارج المؤسسة.
التعليقات
د علي جوارنه (.) الثلاثاء, 09/08/2015 - 19:10
الأستاذ د محمد الوديان من قادة التغيير. أتمنى النجاح والرقي لمؤسسات التعليم العالي.
اضف تعليقك