TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
وزارة التربية والتعليم الأردنية تطلق مبادرة  " وقفية التعليم" 
09/05/2018 - 7:30pm

أطلقت وزارة التربية والتعليم منذ أسابيع وقفية للتعليم، بالشراكة مع وزارة الأوقاف والقطاع الخاص. وبحسب ما جاء في المطوية التعريفية فإن هدف الوقفية: "حث أبناء وطننا الغالي الذي نعتز بالانتماء إليه للتبرع، بهدف توفير البيئة التعليمية المناسبة لأبنائنا الطلبة في كافة مجالات العملية التعليمية والتعلمية". 
لاشك أن إطلاق هذه المبادرة جاء تحت ضغط الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها بلدنا، والتي انعكست سلبا على كل نواحي الحياة، ومنها العملية التعليمية، فقد صرح الدكتور عمر الرزاز وزير التربية والتعليم قبل أيام أن الوزارة تحتاج سنويا لستين مدرسة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب، بينما قدرة الوزارة لا تتعدى، في أحسن الأحوال، توفير أربعين مدرسة، ناهيك عن سائر مستلزمات العملية التعليمية التعلمية، وهذا النقص الواضح سينعكس بالضرورة سلباً على واقع العملية التعليمية برمتها. 
حسناً فعلت وزارة التربية والتعليم في إطلاق، بل في إحياء، هذه المبادرة التي تعود في جوهرها الى إعادة العملية التربوية الى حاضنتها الاجتماعية، ففي بداية نشأة الدولة الأردنية كان للمجتمعات المحلية الدور الرئيس في دعم العملية التعليمية وتبنيها، من خلال التبرع بالأرض وبناء المدارس والمرافق المختلفة عليها، وكانت هذه المجتمعات توفر السكن والمأكل والمشرب لكادر المدرسة ، الذي كان في الغالب من خارج القرية أو الحي ، فالمدرسة انخرطت بكوادرها وطلابها بالمجتمع، وهذا ما قامت عليه نظرية التربوي والفيلسوف الأمريكي الشهير جون ديوي في معظم كتبه، وأهمها في هذا المجال كتابه الشهير "المدرسة والمجتمع"، فالمدرسة، كما يعرفها في كتابه هذا، "صورة مصغرة للمجتمع أو مجتمع في بدء تكوينه". 
إن إطلاق هذه المبادرة وربطها بالوقف خطوة في الاتجاه الصحيح ، فقد لعب نظام الوقف دورا محورياً في الحضارة الإسلامية ، في خدمة المجتمع ، لما لهذا النظام من ارتباط بالصدقة والتعبد لدى المسلم، وهو أمر حض عليه الإسلام من خلال ما عرف بـ "الصدقة الجارية " ، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله – صل الله عليه وسلم - :( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنْتَفع به ، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. قال النووي – رحمه الله – في شرح هذا الحديث: الصدقة الجارية ، هي الوقف. 
والوقف هو إمساك الأصل؛ وهو أرض ، أو زرع ، أو بيت ، أو نقود ، أو تجارة ....إلخ ، وعدم تمليكه أو توريثه لأحد من الناس ، كما لا يجوز التصرف به بأي شكل ، كبيعه ، أو وهبه ، ولكن في الوقت نفسه يجري التصدق بريعه أو منتوجه، في الجهات التي حددها الواقف. والمستعرض لبطون الكتب في تراثنا العربي الإسلامي في هذا المجال، سيصاب بالدهشة لحجم ما لعب هذا النظام من دور في تقديم خدمات للمجتمع، من بناء للمساجد والمدارس والمستشفيات والخانات (الاستراحات على الطرق) وسُبل الماء، والإنفاق عليها. ومن طريف هذا النظام ، ما ذكره ابن بطوطة (توفي 779هـ/1377م) في رحلته الشهيرة عندما كان في دمشق، قال : "مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت فيه مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني، و هم يسمونها الصَّحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها (أي القطع المكسورة )، واحملها معك إلى صاحب أوقاف الأواني فجمعها، و ذهب الرجل معه إليه، فأراه إياها ، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، و هذا من أحسن الأعمال ، فإن سيد الغلام لابد له أن يضربه على كسر الصحن ، أو ينهره ، و هو – أيضاً – ينكسر قلبه ، لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبراً للقلوب". 
في دراستي التي أعددتها لنيل درجة الماجستير، وكانت بعنوان "المؤسسات الاجتماعية والثقافية في بلاد الشام في العصر المملوكي"، تطرقت لنظام الوقف كمؤسس وحاضن لهذه المؤسسات، وقد هالني حجم هذه المؤسسات التي اعتمدت على هذا النظام ، فمن المعلوم أن الدولة لم تكن مسؤولة عن بناء هذه المؤسسات، أو الانفاق عليها، كما في يومنا هذا ، فمدينة كدمشق، على سبيل المثال، كان فيها مئات من هذه المؤسسات اعتمدت اعتمادا كاملا على هذا النظام، وهذا انسحب على جميع مدن العالم الإسلامي آنذاك، وتعداه إلى الأرياف. 
هذا المنظور الشامل إلى الصدقة والوقف في تراثنا، الذي وصل إلى حد أن يُعوض غلاما كسر صحفته (صحنه)، قد يلعب دورا كبيرا في تطوير التعليم في بلدنا، إلا أننا لتعزيز ذلك نحتاج إلى تغيير بعض المفاهيم الخاطئة حول التبرع، فمن المعلوم ان معظم التبرعات في أيامنا هذه تخصص لبناء المساجد، ومن هنا جاء الإعلان عن هذه الوقفية بالشراكة مع وزارة الأوقاف لتوضيح أهمية التبرع للمدارس التي لا تقل أهمية وأجرا عن التبرع للمساجد، بل تفوقها ، فالإسلام حض على طلب العلم، ورعاية من يطلبه، وما هذا العدد الكبير من المدارس التي انتشرت في حواضر العالم الاسلامي وأريافه، والتي مُوّلت جميعها من محسنين وفق نظام الوقف ، إلا دليلا على فهم الأوائل لأهمية التبرع لهذه المؤسسات. 
هذه الوقفية أزالت كثيرا من العقبات البيروقراطية التي كانت تحد من إقبال المتبرعين ، فقد جرى فتح حساب رئيسي للوقفية في البنك الإسلامي، ويستطيع المتبرع أن يحدد الجهة المستفيدة من تبرعه، بحيث يصل ماله إلى الجهة التي يحددها مباشرة. 
أخيرا، وليس آخرا ، فعلى الرعاة الرسميين لهذه الوقفية – وزارة التربية والتعليم، و وزارة الأوقاف – التسويق لهذه الفكرة، ونشرها على نطاق واسع؛ فوزارة الأوقاف تستطيع ذلك من خلال خطباء المساجد، بتخصيص بعض الخطب للحديث عن هذه الوقفية وأهميتها، ودعوة المصلين إلى التبرع فيها. أما وزارة التربية والتعليم، فمن خلال كوادرها من معلمين وإداريين، يستطيعون الترويج للفكرة بين الطلاب وأهاليهم. 
ومجتمعنا لا زال فيه كثير من الخير، ويقدم أكثر مما نتوقع، لاسيما إذا تعلق الأمر بتعليم أبنائه.
د. معن علي المقابلة
رئيس قسم الإعلام والاتصال المجتمعي
مديرية التربية والتعليم للواءي الطيبة والوسطية

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)