TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
واقعة هليّل !
30/05/2015 - 8:30pm

طلبة نيوز-

د. علي المستريحي

لا زالت قصة السيد أحمد هليّل في الأقصى تعصف برأسي، فأسئلتها أكثر من إجاباتها، ولأنها تحمل مضامين كثيرة (ولن أعرضها جميعا هنا) .. و .. لكن الأهم من ذلك كله أنها تمثل دعوة لنا جميعا للتأمّل بواقع حالنا ..

أولا: الرجل لا يحظَ بمشاعر طيبة ايجابية لدى معظم الأردنيين أنفسهم! فما الإنجازات الوطنية التي قدمها الرجل للأردن يمكن أن تسجل له بعد عقود من عمله العام وبمواقع رفيعة وحساسة لصنع واتخاذ القرارات؟ وقد يكون الرجل محايدا، لكن الحياد لمن يشغل موقعه لا يجمّل صورته السلبية أمام العامّة .. وكما قال سيدنا علي ابن ابي طالب (كرم الله وجهه): "أن تكون محايداً يعني أنك لم تنصر الظلم ولكن من المؤكد أنك قد خذلت الحق" ! هذا إن كان الرجل فعلا "لم ينصر الظلم"، فرب العباد أولى بتدبيره، مع أن وجوده تزامن مع أسوأ مراحل تطور وتجذّر الفساد في الأردن! فأين مواقف الرجل من كل ذلك لأبعد من مجرد إعلان غرة رمضان وإطلاق شرارة العيدين؟!

ثانيا: إننا نشهد حاليا حالة من العنف (أسمّيه مجتمعيا) منذ قرابة عقد من الزمان بمعظم مفاصل حياتنا .. فكنا (ولا زلنا) نتحدث عن العنف الأسري، المدرسي، الجامعي، ذلك يقع بمربع العنف الأول، قبل أن ينتقل "للعنف المؤسساتي" (هكذا أسمّيه أيضا) في مربعه الثاني، ليقتحم بعض مؤسسات الدولة (المستشفيات ضد الأطباء والممرضين ومنهما مثلا) وفي (وزارة التنمية الاجتماعية ومراكزها ضد من يفترض رعايتهم) وفي البنوك أيضا (عندما يتأخر تسليم الدعم أو رواتب الناس مثلا) وفي المدارس (ضد المعلم وضد الطالب) وفي المؤسسات الأمنية (ضد المطلوبين وضد الشرطة أنفسهم) .. وقد بدأنا نشهد بدايات امتداد العنف خارج المربعين الأول والثاني ليمتد للمربع الثالث فيمس حياة الناس الاجتماعية أثناء تنقلهم بالشارع، وتسوقهم وتجمعات وصالات أفراحهم .. فهل نكون أمام نوع جديد من ممارسة العنف في مؤسساتنا الدينية (استمرارا لعنف المربع الثاني) الذي كنا نعتقد أن له خصوصية في قدسيته ولن تطاله أيدي العنف؟!

ثالثا: واعتمادا على ما طرح أعلاه، ألا يجدر بنا أن نعيد النظر بمنظومة طريقتنا في التفكير وبمنظومة قيمنا وأخلاقنا وما يتبعهما من تصرف وسلوك؟ هناك بون شاسع بين واقع الناس وآراء أصحاب الكراسي .. ماذا ينتظر خطيب مسجد مثلا من جموع المصلين عندما يترك قضايا مجتمعية مريرة هامة مثل قضية العنف أو النظافة أو تسيبّ المدارس أو تزوير الانتخابات أو خطورة انتخاب الفاسدين من الناس أو بيع مؤسسات الدولة أو غياب العدالة أو بعض شيوخ العشائر الفاسدين المفسدين، ليتناول بخطبته "نعمة الأمن والأمان" أو "وجوب طاعة ولي الأمر (....)" أو "الأهمية الشرعية لضرورة قيام أهل المتوفي بتوليم المعزين" أو "شروط الوضوء الصحيح" ؟! ماذا ينتظر القائمون على التلفزيون الأردني بالعاملين فيه من جيش جرار مترهل في غالبه من مشاهديه وهو يطبل ويزمر ويهلل لكل ما يقوم به أصحاب الكراسي بصفتهم التنزيهية (حتى وإن دخلوا الحمّام وخرجوا منه سالمين معافين)؟! ماذا ينتظر عامة الناس من دائرة مثل الأرصاد الجوية بكل أجهزتها وكوادرها العاملة أكثر مما يتلقونه من "محمد الشاكر" وفريقه الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة؟! ماذا ينتظر الأردنيون من حكومة أقامت الدنيا (ولم تقعدها) وأطاحت برؤوس أقل ما توصف به أنها اجتهدت فأصابت أو قد تكون أخطأت لكن أخطاءَها لا تعادل ذرة من فساد من فسدوا وأهلكوا الحرث والنسل وباعوا ما تخت الأرض وفوق الأرض وما في السماء ولا زالوا يسرحون ويمرحون! كل هذا من أجل مطلوبين اثنين لا زالت حكومتنا العتيدة الرشيدة تفاوض وتتوسط وتتوسل لتسليمهم للعدالة، أو كما ورد على لسانها "بسبب ضعف التنسيق والتقصير في العمل"، وكأننا أمام ترف كبير من المستوى العال من التنسيق بين أجهزتنا الحكومية المختلفة وتميزها بأداء مثالي راقٍ؟!

وأخيرا، (ومع أننا ضد العنف بكافة أشكاله ومبرراته)، نسأل: هل ينتظر سماحته من المقدسيين (أو غيرهم) بعد انجازاته العظيمة المجيدة المخلّدة للأمتين العربية والاسلامية استقباله بالورود والسجاد المخملي الأحمر الذي اعتاد عليه ببيته وسيارته المصفحة ومكتبه الوثير؟!

(واقعة هليّل) هي دعوة للتأمل وإعادة النظر بحالة الانحطاط والتردي التي وصلنا إليها: من الفكر والمبادئ ومنظومة القيم إبتداء، مرورا بأنظمة وقوالب حياتنا وطرق عيشنا وانتهاء بكل سلوك لنا نقوم به انعكاسا لكل هذا ..

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)