TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
هل كل سكوت علامة رضا؟
01/12/2016 - 2:30am

طلبة نيوز- د.صلاح جرار

للسكوت أسبابٌ ومعانٍ كثيرة ومتنوعة، والرّضا واحدٌ منها، إلاّ أنّ السكوت الذي يدلّ على الرّضا لا بدّ له من قرائن أخرى ترجّح دلالة الرّضا فيه، كأنْ ترافقه ابتسامةٌ أو خجل واضح أو هزّ الرأس إلى أسفل أو إشارة ما باليد أو العين أو الرأس أو غير ذلك، وهذا الأمر يصدق على حالات الخطبة والزواج والأحوال الشخصية وما أشبه ذلك، مع أنني أشكّ ببقاء هذه الظاهرة في هذا الزمن إلاّ إذا كانت الفتاة التي تطلب يدها لا تعرف الكلام.

وفيما عدا ذلك فإن للسكوت غير معنى، كالخوف والتهديد واليأس من جدوى الكلام، فكم من مفكر وأديب وخطيب وشاعر قرّر التوقف عن الكتابة والكلام عندما يئس من صلاح الذين يخاطبهم أو يكتب إليهم وأصبح يرى أنّ الكلام والكتابة ليست ذات جدوى، ولا سيّما إذا كانت حال من يخاطبهم تزداد سوءاً وتراجعاً، فعنذ ذلك يلجأ إلى السكوت، فمثل هذا الكاتب أو المفكر لا يمكن أن يكون سكوته علامة رضا، بل هي قطعاً علامة سخط واحتجاج على كل شيء.

وكم من صاحب رأي وفكر ورؤية لاذ بالصمت خوفاً من متسلّط أو مستبدّ أو ظالم، وهو يعلم أنّه إذا نبس بكلمة واحدة قد تستفزّ هذا الطرف أو ذاك فإنّه ربّما تعرض بسببها إلى الملاحقة أو السجن أو الاعتقال أو التصفية أو المحاربة في رزقه وحياته.

فمثل هذه الحالة أيضاً لا يمكن أن يكون السكوت فيها علامة على الرضا، بل هي علامة لا تقبل التأويل على الخوف والقلق والضيق والحذر والرعب وغير ذلك ممّا لا علاقة له البتّة بالرضا وأحواله.

وكثير من الناس يمتنعون من الشكوى على الرغم من شدّة الألم الذي يعانونه كي لا تفهم شكواهم على غير وجهها فيتعرضون للأذى والتضييق وزيادة الأوجاع، فهل مثل هؤلاء يسكتون عن رضا بما يعانونه ويتألّمون منه؟!

وماذا نقول في صمت من تحوم فوق منزله طائرة حربية مجهّزة بأحدث أنواع القنابل والصواريخ وأشدّها فتكأً وأعظمها قدرة على التدمير، هل مثل هذا يسكت وهو راضٍ عن هذا الذي يحيق به؟! أم أنّه يحبس أنفاسه حتّى لا يعطي لقائد تلك الطائرة ذريعة لمحوه هو ومنزله ومنازل جيرانه من وجه الأرض؟!

إنّ الأغلبية الصامتة على امتداد الأرض العربيّة، لا علاقة لصمتها بالرّضا، بل هو صمت خوفٍ وحذر واستكانة وحرص على العيش –أي عيش- ومن هنا فإنّ أغلب ما ينشر من أعمال فكريّة وأدبيّة في الوطن العربيّ لا تعدو أن تكون امتداداً لصمت الأغلبية، ولذلك لا نجد أي تأثير للثقافة والفكر والفنّ في تطوّر الأمّة أو نهضتها أو إقالتها من عثرتها أو وقف سقوطها المتسارع.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)