TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
هل تعيش الثقافة الزمن الغريب؟! أ.د. محمد القضاة
28/11/2017 - 3:30pm
الرأي- هل الثقافة ضرورة، أم فائض لا لزوم له؟ أم انها ظاهرة لا تجد من يدافع عنها، أم انها فعل جاد يرتقي بالانسان الى مراتب السمو واذا كانت كذلك لماذا تغيب في غياهب النسيان؟ احببت ان ابدأ المقالة بسؤال استنكاري؛ لأن الثقافة هي الحصن المتين الذي يجب ان يحضر في كل حين، غير اني ارى ان الثقافة تعيش زمنها الغريب؛ ولذلك، تقرأ هذه المقالة محطات صناعة الثقافة ومنابرها وغياب فعلها في المشهد العام، وتجد نفسك امام سيل أسئلة تشدك للخلف، وتعلن للحاضر انها تصلح الغياب..!وأولى محطاتنا حال المثقفين وتشتت افكارهم وغيابهم عن المشهد الثقافي؛ وكأن حال الامة اليوم يستحق غيابهم! ومن يقرأ الدور الذي يضطلعون به يدرك انهم في الغياب، فهل يغيب المثقف غيابا قسرياً؛ أبسبب عدم الاهتمام به، أم بسبب قلة اهتمامه بدوره؟! وكيف تبدو الثقافة التي ينتجها أصحابها؛ هل هي قادرة على احداث التغيير المنشود أم انها بحاجة إلى إصلاح لابتعادها عن الناس، وعدم قدرتها معالجة اختلالات الحاضر بتداعياته وتغيراته؟ والحاضر تتغير مكوناته وتتجدد أدواته بسرعة بحيث انه لم يعد يقبل تلك الركائز التي ذابت تحت إيقاع وسائل التواصل الجديدة، وبالكاد يستطيع المرء فهم إيقاعاتها وتجلياتها واسئلتها، وقد عشنا انسحاب المثقفين خلال سنوات الربيع الدموي في العالم العربي، من غير ان يشاركوا في تغيير بوصلة الحياة السياسية او الثقافية او الاجتماعية؛ وكأن المجتمع العربي احجم عن سماعهم لان المثقفين العرب قد فضلوا الصمت والعيش في ابراجهم الخاصة! من غير ان يدركوا أن أفكارهم لا تلامس الواقع المعيش، فأنت تجد مثقفين يطرحون افكارهم ويعتقدون أنّ الناس يجب أن يأخذوا بها ويباشرونها من غير أن يشاركونهم أوجاعهم، ومن أبسط الأمثلة على ذلك عدم قدرة المثقف على تلمس رؤية الناس واهتماماتهم، وعدم قدرته التوفيق بين فكره وهمومهم، فضلاً عن انقطاع حبل الحوار بينه وبينهم وحتى مع أقرانه من منتجي هذه الأفكار.
وثاني محطاتنا وزارة الثقافة التي يجب ان تُخضع برامجها كافة للتقييم بمنتهى الجدية والموضوعية بعيدا عن تمترسها على مواقف لا تصلح اليوم للبناء عليها، وأمامها مشهد عربي يحتاج إلى خطط ومثقفين ومفكرين يعيدوا الثقة للأمة التي أنهكها الخراب والدمار والمعاناة، ولذلك اتمنى على وزارة الثقافة ان تخلص معظم لجانها الثقافية من رتابة الأسماء وتكرارها على مدار عقد او أكثر  وان تعيد تشكيل خريطتها؛ لأن الوطن الاردني يمتلك قامات ثقافية هذا آوانها لإعادة الاعتبار للثقافة الوطنية في ظل تجاذب قوى التطرف والارهاب والمشهد العام في العالم والعالم العربي وبلدنا أولى بالبدء في قراءة المشهد واعادة الروح اليه، لا نريد للزمن أن يجمد؟! ولا نريد ان نقرأ ما كتبه الصديق زياد العناني في جريدة الغد يوم الخميس 27 شباط عام 2011 تحت عنوان:" غياب الثقافة عن البرنامج الحكومي يؤكد وصفها سابقا بـ"الحمولة الزائدة" على أهميتها خاصة حين يشير الى انّ:"ثمة حكومات كثيرة تعتقد أن البعد الثقافي لا يصلح كأداة للسياسة وتفضل الابتعاد عنه وعن مخرجاته وعن عينه الثاقبة التي تفرق بين الخطاب والممارسة مبقية على حقيبته الوزارية خاوية أو غير مستخدمة حتى إنها لا تحتاج إلى ذريعة الكفاءة ويمكن لأي شخص أن يحملها بلا كتف متهدل ويحس بخفتها". إن الواقع يفرض على المعنيين ان يقرأوا حالة المشهد الثقافي بعين ناقدة ودون مجاملة لكي يعود للفعل الثقافي حضوره وأثره .وثالث المحطات غياب الصحافة الثقافية، وهنا حين تقرأ الصحافة الثقافية هذه الأيام تشعر بالحزن لرحيل الزمن الجميل وغياب الثقافة التي كانت ترسم تفاصيل الحياة بالكلمات وتقرأ المستقبل بأنفاس المثقفين وتجد الثقافة قد رحلت الى وهاد الغربة لصالح الافلاس الفكري والاجتماعي والسياسي حتى بات الكل في الغياب ...! وكأننا امام قحط أخذ الأخضر واليابس حتى وصلنا إلى قحط ثقافي تصحرت معه أوراق الصحافة ورحلت معها افكار المثقفين!
وبعد، أقول إن إصلاح الثقافة هو إصلاح للعقل الذي يُنتج الثقافة، هذا العقل للأسف يغيب في أحلامه وتماهياته وأفكاره البعيدة عن الزمن الذي تتعاظم فيه لغة الألم ونتائجه؛ إذ لا يعقل أن يتحرك السياسي والحزبي بدافع ذاتي للبحث عن تجاوز معضلاته  من غير أن يكون للمثقف رأيه في كل الذي يجري حوله، وكأنه يعيش حالة انقطاع بين ذاته ومحيطه، ولا يعقل أن يدفن رأسه بحجة أنه لا يملك وسائل التأثير، مع أنه يملك القدرة على إنتاج الفكر المشارك في ردم معيقات الحياة! لكنه يؤْثِر السلامة في تغريب فكره ويظن أن الناس يجب أن يأتوه كي يشاركوه أفكاره وغرائبه، إن خطأ هؤلاء المثقفين أنهم لم يقارنوا بين ما توصلوا إليه وما يدور في المجتمع من أحوالٍ ومتغيرات وظروف قاهرة أتت على أبسط حقوقهم في الحياة؛ لذلك عليهم أن ينزلوا من أبراجهم وأفكارهم ومنابرهم إلى حياة الناس لكي يعرفوا أنّ المجتمع في وادٍ وهم في آخر، و إصلاح الثقافة لا يتم بوصفات جاهزة، ولا بأفكار بالية، ولا بأنشطة باهتة، ولا بغياب المؤسسات الثقافية الفاعلة؛ وإنما يتم بحضور جاد لألوان المشهد جميعها؛ الوزراة بمشاريعها وتشريعاتها وأنشطتها؛ والدولة بأهتمامها ونظرتها الأفقية والعمودية لفعل الثقافة في تغيير نمطية التفكير السلبي الذي يلصق بالثقافة وأثرها القريب والبعيد؛ والمثقف بصدقية أطروحاته ومدى ملامستها الواقع؛ ووسائل الإعلام بالدفاع عن الإنسان وكرامته وتقديم وجبات ثقافية دسمة بعيداً عن الثقافة السريعة التي لا تغني ولا تسمن من جوع؛ الإعلام المرئي الذي يجب أن يفتح أبوابه للمبدعين والمثقفين الذين يغيبون دائماً، وقد شاهدنا في وسائل الإعلام المرئية المحلية والخارجية أنه حين يتم الحديث عن الإصلاح والتغيير والربيع العربي لا نجد غير افكار عفى عليها الزمن؛وكأن المشهد الثقافي والفكري في مرحلة موات لا ينجب ؟ والإعلام المقرؤ يجب أن ينتبه إلى المسألة بروية ومشاركة فاعلة لإعادة إنتاج الثقافة وتوزيعها بأسلوب يليق بالثقافة التي هانت في هذا الزمن العربي المؤلم وغدت هامشية لا حول لها ولا قوة؛ والإعلام المسموع الذي ينبغي أن يخصص أوقات الذروة والمال الكافي لإنتاج الثقافة وتقديمها بأطر جديدة بعيدة عن الاستنساخ وقلة الاهتمام. إصلاح الثقافة تنتجه أقلامٌ مسموعة وأفكار بناءة  وعلاقات صحيحة وجادة كي تكون ثقافتنا مشعلاً حقيقيا في عالم تتقاذفه الأمواج، خاصة أن الأردن كان دوماً في الطليعة، وبالتالي نحتاج إلى إصلاح ثقافي يعيد التوازن والتنافس والابداع، إلى وتيرة تضعا أمتنا في مصاف العالم تحضراً ورقياً وتقدماً؟ نحتاج إلى حشد الطاقات كلها ووضع الحقائق على الأرض لكشف الطابع الوحشي غير الإنساني الذي تحدثه ماكينة الإعلام الفضائية والرأسمالية والعولمة والحروب التي أدمت الشعوب والبشر؟ ومَنَ أولى من المثقفين في كشف الزيف والخلل والتجاوز الشديد على حرية الناس.  
نشر في جريدة الرأي بتاريخ 28/11/2017
 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)