TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
هل استطعنا استبدال العصبية بمفهوم المواطنة ؟ أ.د. محمد القضاة
25/01/2017 - 11:00pm

يعيش الاردن في منطقة ملتهبة بالتحديات فرضتها دول الجوار والدول العربية التي دمرتها ردات الفعل المعاكسة لما يعرف بالربيع العربي، وما يهمنا قراءة الواقع الاردني وقضاياه الكثيرة التي تحتاج من ابناء الوطن على اختلاف اطيافهم معاينتها بوعيهم وجدّهم لتجاوزها، وها هي التحديات تطل برأسها بقوة دونما حساب لظروف الاردن وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، ولذلك مطلوب منا أن نحارب الاستهتار الذي يتراكم في المؤسسات المختلفة، والاستقواء الذي يقوم به بعض الخارجين على القانون، ومناقشة غياب المنظومة الاخلاقية التي تحكم علاقات الناس مع بعضهم بعضا، أقول التحديات كثيرة وتساؤلات الناس لا تتوقف، وعلاقة الدولة الحديثة بأفرادها تحتاج ان تكون ايجابية، خاصة أنه لم تعد علاقة السيادة والشرعية بالطاعة والتابعية، ولم نعد نشعر بالمسؤولية الجماعية؟ وكيف تبدو علاقة التربية بالدولة، وما الدور الذي ينبغي ان يناط بالتربية تجاه الدولة؟ وهل استطاعت النظم التربوية والعقلية العصبية أن تضع اطراف المعادلة في أُس بناء الدولة، أم أن النظم الحديثة لم تستطع ان تواكب بيئة الافراد فغدت في واد والأفراد في واد اخر؟ وأين التربية القويمة التي تنطلق من تعاليم ديننا الذي علم البشرية أُصول التسامح والعدالة؟ لماذا تستورد نظريات لا ترتبط بواقع مجتمع لا يفرق بين الغرم والغنم والعصبية؟ وهل خرجت أي دولة في العالم عن هذه القاعدة؛ الدولة القبلية والدولة المدنية والدولة الإمبراطورية، وان كان هناك من اختلاف فهل هو في مفهوم العصبية؟ – الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة، والغرم عكس الغنم – وهل استطعنا استبدال العصبية بمفهوم المواطنة، الذي تقوم فكرته على تجريد المواطن من العصبية الدموية إلى المواطنة التي تسير بالقوانين والانظمة، والدولة الحديثة تقوم على المصلحة الغرم والغنم والمواطنة التي يعرف فيها كل فرد مسؤولياته وحقوقه وواجباته.

 

أقول، لا بُدّ من تغيير وعي الناس لعلاقتهم بالدولة والتحول بهذه العلاقة من الاتكالية إلى تحمل المسؤولية، وهذا يتطلب عملا تربوياً كبيراً لتزويد الأفراد بهذه الرؤية الجديدة للذات وللعلاقة مع الدولة، وهنا لا بد للدولة من القيام بمهامها التشريعية التي تحقق العدالة والمساواة بين المواطنين، وزيادة الخدمات التربوية والصحية والاجتماعية وتحسين وسائل الحياة والتمدن والتعاون والاستقلال الثقافي وضبط الزيادة السكانية بالتوعية وربطها بمستوى الحياة من انحطاطها، ودون ذلك ستبقى العلاقة مضطردة وغير طموحة، وحين تتحقق هذه المهام يعرف الفرد مسؤوليته التي يجب أن تنحصر في كفايته وجديته ودقته والتزامه بالعمل والمواعيد وقيمة الوقت والصدق والعقلانية والتحرر من التقاليد البالية والولاءات الفئوية والإقليمية والعصبية القبلية والواسطة والمحاصصة والجغرافية والنفاق بكل أشكاله، والتخلص من العصبية التي تنافس خط التقدم والإنتاج والمواطنة، وربط المواطن بالإنتاج لكي تستقيم العلاقة بين الطرفين الأفراد والدولة.

 

وبعد؛ ها هي الأزمات في المنطقة تستمر بوتيرة متسارعة، وتأخذ ابعاداً متباينة، وتشكل تحديات كبيرة ومتعاظمة لمختلف دول الأقليم، وتسبب خسائر جسيمة تؤثر على حياة الناس، ومجابهتها لا يتم بالأساليب التقليدية، وانما تتطلب إدارة واعية لآليات إدارتها وسُبل معالجتها؛ إدارة تعالج الأزمة ، بحيث تشتمل خطة مدروسة بعناية وشفافية وقرارات سريعة تستبق الأمور، ولا تلهث خلف الأزمة، لا بد من الحركة قبل الأزمة لاستباق الأحداث وهو أمرٌ مهم، وبالتالي ما المانع أن تكون هناك جلسات عصف ذهني في مؤسسات صنع القرار تستمع فيها لكل الألوان والأطياف، وما المانع أن تكون هناك هيئات فكرية استشارية متخصصة في كل شأن تكتشف إشارات الإنذار وتشخص المؤشرات والأعراض التي تنبئ بوقوع أزمة ما، للاستعداد لها والوقاية منها والحيلولة دون تفاقمها وانتشارها، وما المانع من تبني التخطيط وقبول النصيحة والمشورة بحيث تستمع لأدق التفاصيل وتتحرك في ضوئها، وهذه الهيئات الاستشارية ليست ترفاً فكريا وإنما خيارا استراتيجياً تضع النقاط على الحروف،وهي موجودة في معظم الدول المتقدمة، فما المانع أن تكون هناك هيئات يكون التنبؤ الوقائي أساسيا في إدارتها عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد المبادأة والابتكار؛ هيئات تجتمع مرة في الشهر تقدم أفكارها بعصف ذهني صريح وصحيح يؤشر على مواطن الوهن؛ خاصة أنّ العالم العربي جرب الفكر الأحادي الذي أنتج هذه الكوارث المتحركة، وحينها تساعد على بناء القدرات المؤسسية وتبتكر استراتيجيات جديدة، لمواجهة الأزمات بعيدا عن الوصفات الجاهزة ونظام الفزعات التي تتركنا في المربع الأول، والأردن غنيٌّ بكوادره المتعلمة والمثقفة والأكاديمية والمتخصصة بشتى الحقول. عن الرأي 25/1/2017

mohamadq2002@yahoo.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)