سأعود الى الوراء وتحديدا لعام 1987 حين كانت الجامعة الاردنية تحتفل بيوبيلها الفضي وقد كنّا نُعد العدة للاحتفالية بهمة عالية كانت الجامعة متوقدة تفيض شبابا ورغبة بالبناء والبهاء والانطلاق ، واذكر اننا في هيئة تحرير المجلة الثقافية قد اصدرنا عددا خاصا بالمناسبة ، وأجرينا حوارا مطولا مع دولة الدكتور عبدالسلام المجالي بالمناسبة وشارك فيه- مع حفظ الألقاب- هُمام غصيب وخالد الكركي وعبدالله عويدات وإبراهيم ناصر وبشار عبدالهادي وكاتب هذه السطور، طرح يومذاك الدكتور المجالي–وكان حينها رئيس الجامعة–ان تتحول الجامعة بالتدريج الى جامعة للدراسات العليا والنخبة وان يترك للجامعات الاخرى ان تتولى مهمة التعليم العالي لطلبة البكالوريوس، ومنذ ذلك الوقت والامر على ما هو عليه، تتكاثر الجامعات، ويزداد عدد الطلبة، والبرامج تتناسل وتتكاثر وتكاد تتطابق مع بعضها بعضا لدرجة أنها أصبحت نسخا كربونية وهذا امرٌ يحتاج مناقشة علمية جادة على اعلى المستويات للبدء بتحويل الجامعة الأكثر ألقا وتميزا وحضورا وتجربة الى جامعة النخبة في كل البرامج العلمية بحيث يصار لوضع خطة جادة لكي تستقطب هذه الجامعة أفضل الطلبة المبدعين والمتميزين.
إن استمرار الحال على ما هو عليه هو اجترار برامج الجامعات بعضها بعضا وعدم تميزها عن بعضها بعضا، وهذا الامر يحتاج قراءة جادة تعيد للجامعات حضورها ونظارتها وقدرتها على المنافسة عالميا؛ خاصة ان الجامعات العالمية تسعى كل واحدة منها الى تنافسية حقيقية تحصل فيها على موقع متقدم في سجل المئة الاولى وحسب التصنيفات الاكاديمية المرموقة، ونحن لا نريد ان نستعجل الأمر بمقدار ما نريد ان تبدأ الجهات المعنية بالتفكير في هذا الاتجاه مستفيدة من التجارب العالمية التي انتهجت هذا الطريق كما في ألمانيا مثلا؛ إذ هناك تسع جامعات ألمانية استطاعت أن تحصل على لقب «جامعة النخبة»، يتم تقييمها سنويا وفق مفاهيم أكاديمية ومهنية عالية ومن المفيد ان اذكر اسماء بعض هذه الجامعات التي نالت هذا اللقب لانها طبقت المعايير العلمية والاكاديمية والمهنية في سبيل الارتقاء بالجودة العالية ومنها جامعات فرايبورغ وغوتنغن وهايدلبرغ وميونخ، وبرلين الحرة وجامعة كونستانس والجامعة التقنية في آخن وكارلسروه، وهناك جامعات في مختلف دول العالم تمضي في هذا الاتجاه. فهل يتحرك صُنَّاع القرار وينظروا للامر بجدية وعمق ورغبة في تحقيق حلم النخبة المبدعة لكي يتجاوزوا المألوف والمستنسخ والرؤية الاحادية الى رؤى تحمل ابعادا خلابة تتجاوز الحاضر الى مستقبل نجد فيه جامعة أردنية واحدة وقد حققت احلام النخبة تكون رافدا علمياً تعيد للتعليم العالي سمعته وألقه وروحه السامقة...إن هذه الرؤية تتطابق في فكرتها مع الرغبة الملكية في ضرورة تميّز التعليم العالي وتقدمه بعيدا عن الخوف والتردد كما قال جلالته :» إنه لم يعد من المقبول، بأي حال من الأحوال، أن نسمح للتردد والخوف من التطوير ومواكبة التحديث والتطور في العلوم، أن يهدر ما نملك من طاقات بشرية هائلة». انقرأ بجدّ وعمق ومسؤولية هذه الورقة ونبدأ الطريق لكي نرى جامعة علمية للنخبة والدراسات العليا تكون انموذجا علميا متفردا في المنطقة برمتها.
اضف تعليقك