TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
من تلقين العلم إلى الإبداع في التعلم نظرة إلى واقع التعليم وسبل النهوض به نحو الأفضل
27/09/2017 - 12:45pm

الدكتور محمد الصمادي

يفتقر النظام التعليمي المطبق في المدارس والجامعات إلى مقومات أساسية تجعل من تطوره ليواكب المستجدات على الأصعدة الإقتصادية والثقافية والإجتماعية أمراً صعباً. يرجع السبب في هذا الافتقار إلى القطبية في سن التشريعات والفصل بين المشرع وكل من المدرس والطالب، والتركيز على التلقين بديلاً للتعلم الذاتي والإبداع.
مئات المبادرات المحلية والعلمية يتم عقدها سنوياً لتحسين التعليم بشكل عام، إلا أن معظم هذه المبادرات تسير بالاتجاه المعاكس لمبادئ التنمية البشرية، ولا تشتمل على جميع الأهداف الأساسية لأي نظام تعليمي، فمثلاً:
1. يتجاهل النظام التعليمي الحالي الفروقات الطبيعية بين البشر، حيث يقوم على تقييم مدى تحصيلهم لمعرفة محددة أو ضبطهم لمهارة معينة، في حين أنه لا يركز على الطرف الآخر من مقدراتهم أو معارفهم. وكذلك يركز النظام التعليمي على العلوم الأساسية ويعطي قيمة لبعض التخصصات على حساب الآخر، وذلك إما لأسباب اقتصادية (التخصص المطلوب لسوق العمل يأتي أولاً)، أو اجتماعية ( كرغبة الأهل بدراسة أبنائهم للهندسة أو الطب). إن أهداف النظام التعليمي لا تقتصر على الهدفين المذكورين، بل تتعداهما إلى أبعد من ذلك لتشمل التركيز على المسؤولية المجتمعية والبعد الثقافي والإنساني. فخريج الجامعة يجب أن يكون منخرطاً في مجتمعه، مسؤولاً عن تصرفاته، ومدركاً للتيارات الهدامة كالتطرف وضرره عل المجتمع، فكما نعلم أن الإنسان المتعلم الواعي لا يكون إمّعة لغيره من الفاسدين. إضافة إلى ذلك أن النكرات (وأعني بهم الجهلة عديمي الفائدة للمجتمع) أخطر على المجتمع من المهمشين من المتعلمين والمثقفين.
2. النظام التعليمي الحالي لا يركز على تحفيز الفضول الفطري لدى الطلبة على البحث والتعلم. حسب نظريات التعلم، يولد الإنسان مع المقدرة على التعلم وهذا أمر فطري ولا يحتاج إلى تعليم، ويكمن دور الأهل منذ الطفولة والمعلم في المدرسة و الأستاذ في الجامعة على تيسير العملية التعليمية وليس تلقين العلم. فالفضول لتعلم الأشياء محرك للإنجاز بشرط أن يستثار اهتمام الطلبة من خلال التركيز على أهمية الموضوع لهم كربطه بالعمل في المستقبل، وتوفير الظروف الملائمة للتعلم.
إن أي نظام تعليمي لا يرقى لمستوىً أعلى من القائمين عليه، وحيث أن المعلم هو شريان العملية التعليمية وقلبها النابض، فإنه لا بد أن يكون قدوة محفزاً للإبداع لا ملقناً وسلبي الأداء. أن القطبية الواحدة في التعلم المبنية على نقل المعلومة للطالب بدلاً من تحفيزه على تعلمها ذاتياً أو من خلال التعامل مع الأقران يخلق جواً من التعلم السلبي لدى الطلبة، ويصبح الطالب مجبراً على تحمل الحلقات التدريسية بدلاًمن الاستمتاع بها، مما يؤثر سلباً في شخصيتهم، وجودة تعلمهم فيخرجون إلى سوق العمل مفتقرين إلى المهارات الأساسية كالمقدرة على خلق الأفكار والفرص والإبداع، والتكيف مع الواقع، والعمل ضمن جماعات واحترام الآخر، وتحقيق الربح للمؤسسة التي ينتمون إليها.
إن الهدف الأساسي لأي نظام تعليمي هو تحقيق التعلم. فإذا لم يكن هنالك تعلم، فلن يكون هنالك تعليم، بل يكون تلقيناً سلبياً أحادي الجانب . إن القيام بالعمل لا يعني بالضرورة إنجازه، فقد ينهك المعلم نفسه في التعليم ولكنه في الواقع لا ينجزه، أي لا يتحقق التعلم فعلاً لدى الطلبة. وعليه فإن دور المعلم الأساسي يكمن في تسهيل وتيسير التعلم لا في التعليم والتلقين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن العملية التعليمية محكومة بسلوك وفهم خاطئين لمفهوم الاختباروالتقييم، إذ أن التعليم الصحيح يجب أن يكون لأغراض التعلم ومدعوماً بالتقويم. ولا يتم الحكم على صحة التعلم من خلال تقييم كمية العلم التي حصل عليها الطالب، بل من خلال قدرته على توظيف هذا العلم في حياته المهنية والعملية، أو حتى في مدى قدرته على توظيفه لخدمة مجتمعه.
3. الحياة البشرية بطبيعتها إبداعية متجددة وخلاقة، وهذا هو السبب في كوننا مختلفين في القدرات والمراتب والوظائف وغيرها. ولكن ما يميزنا كبشر مقدرتنا على تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها وتحديد مسار لحياتنا تكون فيه القدرة على التعلم مدى الحياة أحد أهم عوامل النجاح. إن مسار حياتنا متجدد متطور تختلف فيه اهتماماتنا وقدراتنا مع الزمن. وأساس نجاحنا فيه، مقدرتنا بلا كلل ولا ملل على تخيل الأفضل والطموح لتحقيقه. فلولا التخيل والطموح لما صبرنا على التعلم ولما كان الإبداع، فتجدنا نخلق فرصاً عديدة لحياتنا من خلال تخيل البدائل والحلول والطموح دوماً نحو الأفضل. ودور التعليم المتميز يكمن في تحفيز وإيقاظ هذه القدرات لدينا، وعلى النقيض فإن النظام التعليمي الحالي يهمل الإبداع ويشجع ثقافة القياس الموحد والمبني على أسس محددة مما ينعكس سلباً على المتعلم بالدرجة الأولى.
خذ مثلاً التعليم في فنلندا، تبنّى التعليم في فنلندا أفكاراً كالتي يناقشها هذا المقال وأهمها أنه لا يوجد قياس مبني على أسس محددة فالمهم هو إمكانية التعلم لا التعليم، وأكد كذلك على تمكين العلاقة التفاعلية بين المعلم والطالب وأهمية خلق بيئة تعليمية جماعية. وخذ أيضاً التعليم البديل في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو برنامج لإعادة الطلبة إلى المدارس بعد أن هربوا منها أو فشلوا فيها. والطريف في الأمر أن يسمى هذا النوع من التعليم بديلاً ولو أنه كان هو المطبق منذ البداية لما كان هنالك راسب أو هارب من المدرسة.
وعليه فإن أهم أسباب مشاكل النظام التعليمي :
1. غياب الأساتذة المبدعين والتركيز فقط على المتخصصين. فالجامعات مثلاً لا تشترط الإبداع في التعليم للتعيين ولكن تعتمد التخصص في مجال معين ومكان الدراسة كأساس لذلك.
2. غياب الاستثمار في تطوير قدرات المعلم، والتطور المهني المستمر من خلال التدريب، مما يشجع على ظهور روتين التعليم وقتل الإبداع، حتى أصبح التعلم تحملاً لا رغبة واستمتاعاً.
3. غياب الالتزام على مستوى المؤسسات التعليمية بتسهيل التعلم والتركيز فقط على التلقين ونقل المعلومة من رأس المدرس إلى أذن الطالب. فتطبيق تشريعات وأسس التعليم لا يعني بالضرورة الحصول على نتائج إيجابية ومخرجات التعليم خير دليل على ذلك.

لا يجوز النظر إلى العملية التعليمية على أنها عملية ميكانيكية بمدخلات محددة ومخرجات محددة. فالنظام التعليمي هو نظام إنساني بحت وليس نظاماً صناعياً. وعلى المؤسسات التعليمية أن تدرك أن ضبط العملية التعليمية بمجموعة من الأسس والتعليمات التي يتم تطبيقها على مجموعة من الآليات المحددة بمدخلات محددة لا يفضي بالضرورة إلى تعلم ذي جودة عالية وحسب المتوقع. فالتعليم يتم في الغرفة الصفية لا في مكاتب المشرعين . وعليه فإنه لا يجوز فصل التشريع عن واقع التطبيق. إذ أن العملية تكون من غرفة الصف إلى التشريع وليس العكس، وهذا هو أحد أسباب نجاح العملية التعليمية في فنلندا.

ولذلك فإن دور القائمين على العملية التعليمية يكون في خلق الأجواء والفرص الملائمة للتعلم ، وذلك من خلال خلق الفرص وتوفير الظروف الملائمة لكل من المدرسين والطلبة لتحفيز حرية الإبداع والابتكار، مما ينعكس إيجاباً على العملية التعليمية ومخرجاتها، ويوفر قصص نجاح ليتم توثقيقها وتحول إلى تشريعات وليس العكس.

الدكتور محمد الصمادي
خبير التعلم الإلكتروني والتعلم المستمر
مدير وحدة التعلم الإلكتروني ومصادر التعلم المفتوحة
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)