TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
من الفاسد في قضية الدجاج ... التاجر أم المواطن أم الدجاج؟؟!!
05/06/2017 - 10:00pm

تصدرت قضية الدجاج - الذي اتهم بالفساد جزافاً - أهم الموضوعات التي شغلت بال الأردنيين خلال العشر الأيام الأولى من رمضان لهذا العام، وعند تمعين النظر في هذه القضية نجد أن أطرافها ثلاث وهي: التاجر (جامع للمال)، والمواطن (مستهلك)، والدجاج نفسه (سلعة)، فمن الفاسد من هؤلاء؟!.
في الواقع إذ نظرنا للتاجر نجده منذ قدم تاريخنا الإسلامي تغلب عليه نزعة حب المال والقدرة العجيبة على الاقناع ولو بأغلظ الأيمان الكاذبة مع تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، الأمر الذي جعل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول "التاجر الصدوق يحشر مع الأنبياء والصديقين" وقوله أيضاً "التاجر الأمين الصادق مع الصديقين والشهداء"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ولعل هذه المنزلة التي يستحقها التاجر الصادق هي لقلة عدد هؤلاء التجار المخلصين في عملهم، فمن استطاع أن يكون صادق في تجارته بلا غش ولا تدليس فإنه يكون قد فاز بمرتبة الصديقين والشهداء. ونظراً لالتصاق صفة الغش بالتاجر عموماً وحتى في عهد النبوة نجد أن من بين الوظائف الرئيسة التي كانت حاضرة في الدولة الإسلامية هي وظيفة المحتسب الذي كان يُختار من أهل العلم والمعرفة والحزم لمراقبة الأسواق والبيوع، فكان يراقب الموازين ويحدد الأسعار ويعاقب كل تاجر يغش الناس ويتلاعب في جودة السلعة وسعرها ووزنها. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يقوم بهذه الوظيفة في عهده، فقد مر ذات يوم بتاجر طعام، فوضع يده الكريمة في صبرة الطعام، فقال ما هذا يا صاحب الطعام، فأجاب التاجر: أصابته السماء يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم، أفلا جلعته فوق الطعام فيراه الناس، من غشني فليس مني. وعلى سنة الرسول سار الخلفاء الراشدون، إذ أنهم كانوا يباشرونها بأنفسهم أو يعينون من ينوب عنهم، فقد روي عن الخليفة عمر بن الخطاب إنه مر على حاطب بن أبي بلتعة وهو يبع زبيباً في السوق فقال له "إما أن تزيد في السعر وإما أن تخرج من سوقنا"، كما ذكر عنه أنه عين لأمور النساء في سوق المدينة امرأة تدعى الشفاء وهي أم سليمان بن أبي خيثمة. واستمر الإشراف على الأسواق طيلة العصر الإسلامي لحاجة المسلمين إليه في ضبط المبادلات والمعاملات التجارية بينهم. وعلى هذا يظهر أن التاجر هو دوماً ميال للغش والتدليس بغية تنمية وإكثار المال، الأمر الذي يجعل ديمومة مراقبته حاجة ملحة. بمعنى آخر التاجر ليس فاسد ولا نستطيع أن نحكم عليه بالفاسد، وإنما هو أحد أمرين إما تاجر صادق، وإما تاجر غشاش ومدلس.
أما بالنسبة للدجاج، فهو كائن حي من فصيلة الطيور، يتكاثر بالبيض، ويتمتع بالعديد من الصفات الفطرية التي تجعلنا نتجاوز عن وصفه بالفاسد، فأولاً هو كائن غير عاقل ومع ذلك فإنه يحرص على العودة إلى بيته (خمه) بمجرد غياب الشمس، ثم أنه إذا إراد التكاثر فإن الأنثى تختفي ببيضها عن الأنظار خشية الحسد والطامعين في مذاق بيضها اللذيذ حتى يفقص – ولنا في قصة أم حمدان عبرة وعضة في ذلك-، كما أن الفاسد لا يتعلق به ولا يرغب به صاحب عقل، ونحن البشر عامة والأردنيين خاصة شديدي التعلق بالدجاج فهو يشكل وجبتنا الرئيسة في معظم مناسباتنا. وعلى ذلك فإنه إذا أصاب الدجاج عارض ما فنقول عنه دجاج مريض، أو دجاج غير صالح للاستهلاك. ومما نذكره عن جداتنا أنهن إذا وجدن دجاجة ميتة أو دجاجة مريضة بمرض ما، كن يذبحنها أولاً إذا كانت حية ثم يقمن بحرقها، ولا يلقين بها في حاوية (برميل) النفايات خشية انتقال المرض لأي كان وحتى لو كان للقطط.
إذن من الفاسد .. نصل هنا إلى حقيقة داغمة وهي أن الفاسد في مجتمعنا الأردني في مختلف قضاياه ومنها قضية الدجاج، هو المواطن، فهو الذي يسترخص ويشتري الدجاج الذي وصل به الأمر أن يباع على البسطات الدجاجة بدينار بدلاً من أن يبلغ عن ذلك للجهات المسؤولة، وهو الذي يتهافت على نتافات الدجاج للشراء في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لمقاطعته لحين محاسبة المتسببين بتسميم الناس، وهو الذي يكذب ويكذب ويكذب في أي مجلس يذكر في قضية الدجاج ويطالب بمقاطعة الدجاج فإذا غادر ذلك المجلس توجه لأقرب بائع دجاج للشراء مهما كان سعره، وهو الذي يطالب بمحاسبة المسؤول عن بيع الدجاج غير الصالح للاستهلاك؛ فأما إذا التقى ذلك المسؤول فإنه يحلف عليه أشد الأيمان أن يكون ضيفه. وهو الذي يشجع الغش والتدليس للتجار بالسكوت عليهم خوفاً، مع أن جلالة سيدنا يطالب كل مواطن أردني أن يكون مواطناً فاعلاً ويشارك الوطن همومة وقضاياه بإبداء الرأي والكتابة والاعتراض. يا ساده إن الفاسد فينا ليس التاجر، إن الفاسد فينا ليس الدجاج، إن الفاسد فينا هو المواطن غير المبالي الذي رضي بالمهانة واعتاد على الذل والتطلع لما في أيدي الآخرين.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)