طلبة نيوز

مجلس التعليم العالي قد يطلق رصاصة الرحمة على التعليم التقني!!

د. مفضي المومني.

اكتب للوطن وللأجيال التي ستأتي بعدنا، والتي لن ترحمنا لأننا أخفقنا في أن نصنع لهم مستقبلا مشرقا، اكتب للوطن الذي ابتلاه الله بعقوق أبناءه، لم نعد نعرف من يقود بلدنا من خيبة إلى خيبة في مجال سياسات التعليم بعد أن كنا في المقدمة! أسوق هذا والأخبار في وسائل الإعلام تشنف آذاننا، بان مجلس التعليم العالي يناقش تخفيض معدلات القبول في الجامعات عن 60%، مع انه لم يجف حبر تقرير اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية ومقرراتها، والتي أوعز جلالة الملك لرئيس الوزراء بتشكيلها، وقدمت تقريرها النهائي لجلالة الملك كخطة إستراتيجية لإصلاح التعليم العالي والمتضمن للتعليم التقني للعشر سنوات القادمة، وكذلك سعي جامعة البلقاء حاليا لهيكلة التعليم التقني، من خلال إنشاء كليات حسب نماذج عالمية ناجحة في مختلف مناطق المملكة وهي النموذج الأمريكي والكوري والألماني والكندي، ولا أنسى توصيات اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي وضعت هدفا لها للأعوام العشرة القادمة لرفع نسبة الانخراط في التعليم المهني والتقني إلى 20% ، فإذا اقر مجلس التعليم العالي تخفيض معدلات القبول في الجامعات إلى اقل من 60% فانه سيكون قد أطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على التعليم التقني، وكذلك نسف توجهات جلالة الملك لإصلاح التعليم العالي وتطوير التعليم التقني الذي أكد عليه في كل توجيهاته، ونرجو من وزير التعليم العالي الرجل الحصيف الغيور على مصلحة البلد أن لا يذهب إلى ذلك أيا كانت الضغوط التي تمارسها لوبيات وملاك بعض الجامعات الخاصة إن صحت الرواية !.
إن اكبر مشكلة يواجهها التعليم التقني هي مشكلة السياسات، التي يصدرها مجلس التعليم العالي، حيث اغرق البلد بالتعليم الجامعي الخاص والعام فوق الحاجة الفعلية ودون وجود أي ربط بفتح الجامعات والتخصصات وحاجات سوق العمل على حساب التعليم التقني، إلى أن وصلنا الآن إلى تدني عدد الملتحقين في التعليم التقني، وبمقارنة بسيطة فان عدد الطلبة الملتحقين في التعليم التقني وصل 29724 طالباً، للعام الجامعي 2013/2014 وقد انخفض العدد إلى 13366 طالبا للعام الجامعي الماضي 2015/2016 بنسبة انخفاض تصل إلى 55% ، وهذا ليس إلا سياسات تقودنا بخطوات ثابتة للوراء أيضا!، لأن عدد العمالة التقنية الفنية في سوق العمل لدينا لا تزيد عن 9% والنسب العالمية للدول المتقدمة تصل 50-60 %، فليس هنالك استثمارات ستأتي لبلدنا بدون القوى العاملة التقنية التي تحتاجها، ولا ننسى أن إحجام الكثير من الشركات العالمية عن الاستثمار في الأردن هو بسبب عدم وجود قوى عاملة تقنية نوعية مدربة، ولا ننسى أن نسب التشغيل لخريجي التعليم التقني تصل إلى 98%، وكذلك فان قطاع التعليم الجامعي في بلدنا وصل حد العشوائية وانعدام التخطيط إذا علمنا ان نسبة البطالة بين خريجي الجامعات وحسب إحصائيات ديوان الخدمة المدنية يصل إلى 38%، وأظن الرقم يفوق ذلك، وكذلك فان هنالك 40 تخصص جامعي مشبع لم يحتاجه السوق المحلي لآخر 15 سنة ماضية، وهنالك 50 ألف طالب في الجامعات الحكومية فوق طاقتها الاستيعابية، ولا ننسى سوء التوزيع للناجحين في الثانوية العامة للفئات التي معدلاتها اقل من 60%، إذا عرفنا أن عددهم العام الحالي هو 1004 طالب وكذلك 590 طالباً العام الماضي وهم بالغالب من يذهب الى التعليم التقني، وإذا علمنا أن الكليات في المملكة يصل عددها إلى 41 كلية ومنها 14 كلية يصل عدد طلبتها مجتمعة 560 طالبا، أي أن عدد الطلبة في كل منها يقل عن 100 طالب، إن قرار تخفيض معدلات القبول في الجامعات إن صدر لا سمح الله، فسيعمل على تدمير التعليم التقني والذي يعاني من السياسات والتمويل حاليا، ولا ننسى ولا نغفل دور جامعة البلقاء التي تحمل عبء التعليم التقني نيابة عن الحكومة، ولا ننسى أن القرار حتى لو تم تجميله بأنه موجه لطلبة السنوات السابقة فالناس أذكياء، طالب الثانوية العامة هذه السنة صاحب المعدل اقل من 60، سيصبح سنوات سابقة في العام القادم، وقرار كهذا سيعمل على إغلاق ما تبقى من كليات وبالأخص الكليات الخاصة والتي هي استثمارات وطنية، تشغل الآلاف من أبناء الوطن، كذلك صدور قرار كهذا سيعمل على تفريغ الكليات من الطلبة، ونحن نعرف شغف الأردنيين بالدراسة الجامعية، حيث سيترك الكثير من الطلبة الكليات ليتجهوا إلى الجامعات الخاصة، ولا ننسى أن جامعاتنا ستستقطب حينها أعداد كبيرة من أصحاب المعدلات المنخفضة مما سيؤثر على جودة ومستوى التعليم.
ونسال ونكرر السؤال ألف مرة ، لصانعي القرار وبالذات لمجلس التعليم العالي، هل نحن بحاجة لأفواج الخريجين من الجامعات وتغذية سوق البطالة على حساب التعليم التقني إذا علمنا أن أعداد الطلبة على مقاعد الدراسة في الجامعات يتجاوز 300000 طالب، وان عدد طلبات التوظيف في ديوان الخدمة المدنية يصل 320000 طالب، ، وان نسب تشغيل خريجي الجامعات السنوية لا تتجاوز 7.5 % ،وبعض الدراسات تتحدث عن مليون خريج للجامعات خلال العشرة أعوام القادمة وهذا الرقم سيشكل قنبلة موقوتة قد تهز كياننا الاجتماعي لا سمح الله.
خلاصة القول التعليم الجامعي بحاجة إلى إصلاحا نوعيا لا كميا، والتعليم التقني بحاجة إلى إصلاح نوعي وكمي، أما الإصلاح النوعي فتتكفل به جامعة البلقاء من خلال الهيكلة التي تعمل عليها لتطبيق التجارب العالمية الناجحة ونقلها إلى بلدنا، وتطوير المناهج والبنية التحتية وغيره، وأما التطوير الكمي للتعليم التقني فبحاجة إلى سياسات حكيمة ، واعتقد ان مقررات اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية قد عالجتها كما أسلفت، وليس منها بأي حال تخفيض معدلات القبول في الجامعات أو الإلتفاف عليه بأي شكل من الأشكال، مصلحة الوطن تقتضي أن نفكر جيدا وان نطبق الرؤى الملكية في تطوير التعليم التقني، وان لا نبقى ننظر ونتشدق بالتعليم التقني أمام وسائل الأعلام، ونحن ندمره بأيدينا من خلال سياسات خرقاء ، قد تكون نتيجة لضغوطات بعض الجامعات الخاصة التي تعاني من نقص في أعداد الطلبة، فحل مشكلة الجامعات الخاصة لا يكون على جثة التعليم التقني، أن صح القول يا ساده!!. كفانا عبثا بمصالح ومقدرات بلدنا، كفانا ما نحن فيه من رجوع وتراجع، نريد خطوات جادة إلى الأمام، لخير بلدنا وشعبه..... حمى الله الأردن.