TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كيف يمكن أن نفهم السياسة الأمريكية ؟
09/09/2017 - 8:15pm

د.أحمد بطاّح
إنّ كثيرين من العرب لا يكادون يفهمون السياسة الأمريكية ، فقبل أن يغادر أوباما الحكم وقّع على مساعدات لإسرائيل بقيمة (38) مليار دولار على مدى عشر سنوات ، وقبل أن يتسلم ترامب الحكم في العشرين من الشهر الجاري وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية ، وعين سفيراً له في إسرائيل ( فريدمان ) معروفاً بتعصبه لإسرائيل وللإستيطان في الأراضي الفلسطينية ، والواقع أن أوباما وترامب لم يكونا بدعاً في السياسة الأمريكية فكل رئيس أمريكي جديد كان يحاول أن يتفوق على سلفه بما يقدمه لإسرائيل ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ؟ لماذا كل هذا التحيز لإسرائيل ؟ أليست القضية الفلسطينية – وهي قضية العرب الأولى – قضية عادلة ؟ أليست هناك مصالح لأمريكا في العالم العربي لا أول لها ولا آخر ؟ ألم تقم أمريكا على قيم الحرية والعدالة ؟ إنّ الإجابة على هذه التساؤلات السابقة ومحاولة فهم " أسرار " السياسة الأمريكية تقتضي منا أن نتقصى بعض الأسباب والمبررات التي تقف وراء عملية صنع القرار الأمريكي المتحيز لإسرائيل ولعلّ أهمها :
أولاً : التقارب الثقافي
فمن المعروف أن الأغلبية الساحقة من الأمريكيين يدينون بالمسيحية ( البروتستانتية تحديداً ) ، وهذا يجعلهم أقرب في منظومتهم القيمية إلى اليهود فهم ( الأمريكيون ) أصحاب العهد الجديد ( الأنجيل ) ، واليهود هم أصحاب العهد القديم ( التوراة )، وإنّ ممّا لا شك فيه أن القاسم المشترك بين الطرفين هو أكبر مما بين أيّ منهما وبين المسلمين . صحيح أن هناك طوائف من المسيحيين تأخذ موقفاً من اليهود وتعتبرهم قَتَلة السيد المسيح ، ولكن هذه الطوائف محدودة العدد والتأثير وبخاصة بعد تبرئة الفاتيكان لليهود من دم المسيح .
ثانياً : التاريخ والنشأة
لقد نشأت الولايات المتحدة الأمريكية على أنقاض مجتمع الهنود الحمر كما هو معروف ، فقد وفد المهاجرون من أوروبا إلى القارة الجديدة ( أمريكا ) وبدأوا بالصراع مع سكان البلاد الأصليين إلى أن تغلبوا عليهم وأقاموا على اشلاء مجتمعاتهم ما يُسمى الآن ككيان سياسي الولايات المتحدة الأمريكية ، وليس هذا بببعيد عمّا حصل في فلسطين فقد مكنت بريطانيا ( الدولة المنتدبة على فلسطين ) وغيرها اليهود من الهجرة إلى فلسطين إلى أن أصبحوا قوة مُعتبرة فرضت نفسها وأعلنت دولتها في عام 1948 ، وإذنْ فإنّ هنالك قاسماً مشتركاً بين أمريكا وإسرائيل هو ظروف النشأة والتشكيل ، ولذا فلا يجب أن نستغرب إذا رأينا الولايات المتحدة تتفهم دعاوى إسرائيل ومبرراتها بل ودعمها المباشر ليس فقط للسياسة الإسرائيلية بشكل عام بل للإستيطان في الأراضي المحتلة .
ثالثاً : المصالح الأمريكية
إن الولايات المتحدة دولة عظمى بلا شك ، بل يمكن أن نقول بأنها الدولى العظمى الوحيدة الآن ( عالم القطب الواحد ) وذلك بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي في عام 1991م ، وهذا يعني أنّ لها مصالح كثيرة وممتدة في معظم بقاع العالم ومنها بالطبع المنطقة العربية ، ولذا فإن من الطبيعي أن تبحث هذه الدولة العظمى عن حليف " موثوق " لها يمكنها الإعتماد عليه ، وإذا أخذنا في الإعتبار عوامل النشأة ، والتقارب الثقافي فإن أمريكا لم تجد أفضل من إسرائيل حليفاً فعلياً ، فقد تحالفت إسرائيل معها لضرب القومية العربية بزعامة جمال عبد الناصر ( وبالذات في حرب 1967 ) ، كما إختبرتها عندما ضربت المفاعل النووي العراقي ، وساهمت في إسقاط صدام حسين . ولعلّ مما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أنّ الولايات المتحدة لا تثق بالأنظمة العربية ، وتعتقد أنها تفتقر إلى المشروعية ولذا فليس من الحكمة التعويل عليها .
رابعاً : التمزق العربي
إنّ مما يسّهل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة تبني سياسة موالية لإسرائيل بالكامل هو التشرذم العربي فالعرب يعيشون في دول متنابذة تتعايش أحياناً وتختلف بل وتتقاتل أحياناً أخرى ، وإنطلاقاً من هذا الواقع المرير فإن الولايات المتحدة لا تجد من يضغط عليها حقاً لإتخاذ مواقف منصفة ، وإذا تذكرنا أن الشعوب العربية لا تستطيع ( بحكم عدم توفر الحياة الديموقراطية في دولها ) أن تقوم بمساندة الانظمة العربية في خلافاتها مع أمريكا أدركنا أن الثمن المطلوب من أمريكا دفعه لقاء تحالفها الإستراتيجي مع إسرائيل ثمنه زهيد يمكن تدّبره بغير عناء .
خامساً : النفوذ الصهيوني
إن ّ اليهود في أمريكا لا يزيدون عن 2% من سكانها ، ولا يزيد عددهم في العالم كله عن ( 15 ) خمسة عشر مليوناً ، ولكن نفوذهم أكبر من أعدادهم بكثير ، وذلك بفعل التنظيم والتحكم بمراكز المال والأكاديميا وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية . إنّ هذا لا يعني بالطبع أنهم يسيطرون على الولايات المتحدة أو الغرب بشكل عام ، ولكنه يعني بالضبط أنهم يشكلون قوة تأثير معتبرة على صانع القرار في الغرب وبالذات في دولة القطب – الواحد : أمريكا .
إن العوامل السابقة المُشار إليها آنفاً ( التقارب الثقافي ، ظروف النشأة .... إلخ ) تسهل تنامي النفوذ الصهيوني ، وتوفر له الأرضية الخصبة لممارسة دوره بنجاح . ومن الجدير بالذكر إن هذه العوامل قد لا تكون متساوية في تأثيرها على صانع القرار الأمريكي ولكنها جميعاً وبشكل أو بآخر تلعب دوراً هاماً في توجيهه الوجهة التي أصبحنا نراها بوضوح ولا نكاد نفهمها .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)