TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كليات الشريعة مهددة بالإغلاق…!
18/12/2016 - 6:30am

طلبة نيوز- حسين الرواشدة 

يحتاج قرار مجلس التعليم العالي برفع معدلات القبول في كليات الشريعة بالجامعات الى نقاش صريح، صحيح ان لجنة شكلت قبل اصدار القرار بشهور ضمت عددا من عمداء كليات الشريعة والمختصين وانتهت الى وضع دراسة حول الموضوع، لكن الصحيح ان ما انتهت اليه اللجنة اودع في الادراج، كما ان مسألة رفع معدلات القبول الى ( 80 % ) واكثر لم تخطر ببال احد، خاصة بعد ان فشلت تجربة رفعها الى ( 70 %) قبل ذلك، ومن ثم اعادتها الى ما كانت عليه ( 65 % ) مع اضافة مقترح اجراء “المقابلة” للطلبة المقبولين في الشريعة.
تحت عنوان تحسين “ نوعية “ خريجي الشريعة، اعتقد البعض ان اغلاق الباب على الطلبة الذين تقل معدلاتهم عن ( 80 %) هو الحل الوحيد لضمان اعداد وتخريج مختصين في العلوم الشرعية قادرين ومؤهلين على ايصال خطاب الدين الصحيح الى الناس، يبدو هذا العنوان جذابا بالطبع، فمن منا لا يريد ان يكون كل الذين يدخلون الى كليات الشريعة في جامعاتنا من افضل الطلبة المتفوقين واعلاهم تحصيلا، لكن ثمة فرق كبير بين الرغبات والامنيات وبين الاحداث والوقائع ناهيك عن النوايا ايضا.
حين تدقق في الوقائع تجد ان اقبال الطلبة الاردنيين على كليات الشريعة متواضع جدا، فعددهم مقارنة بالطلبة من خارج الاردن لا يتجاوز في معظم كليات الشريعة الثلث تقريبا، وفي بعضها اقل من ذلك بكثير، تجدد ثانيا ان نسبة قليلة من هؤلاء تتجاوز معدلاتهم الـ 70 %، لان اغلبية من يختار هذا التخصص ممن تغلق امامهم فرص الحصول على مقعد او تخصص اخر، واذا ما تم اقرار رفع المعدل الى 80% فان عدد الطلبة هنا لن يتجاوز الـ 100 طالب على اكبر تقدير (عدد الذين حصلوا على 80 فما فوق في التوجيهي من الادبي والعلوم الشرعية كان 100 طالب العام الماضي), تجد ثالثا ان سؤالين على الاقل يلحان على اي طالب يرغب بالدراسة الجامعية احدهما : فرص العمل بعد التخرج، والاخر الاعتبارات الاجتماعية والمزايا المعيشية، والاجابة عليهما بالنسبة لطالب الشريعة محزنة وصادمة وربما مخجلة ايضا.
هل يعقل هنا ان نقارن بين خريجي كليات مثل الطب والهندسة وبين خريجي كليات الشريعة مثلا ؟، الفرص المتاحة لمن يتخرج في تخصصات العلوم الدينية – على شرف مكانتها – معروفة، ورواتبها وامتيازاتها معروفة ايضا، فكيف يمكن ان نساوي بين هؤلاء وهؤلاء في معدلات القبول، وكيف نقنع من يختار الشريعة ان بانتظاره فرصة تليق بتضحيته او رغبته بدراسة علم “ الدين “، اين هي الحوافز التي سوف نقدمها له لكي يذهب لكلية الشريعة، وهو مطمئن على مستقبله الوظيفي والاجتماعي.. ان لم نقل ورأسه مرفوع ايضا.
حين ندقق اكثر سنجد ان المشكلة ليست فقط في معدلات القبول وفرص العمل وجاذبية التخصص “ الديني “، وانما قبل ذلك في الاجابة على سؤالين، الاول : لماذا يعزف ابناؤنا عن دراسة العلوم الدينية، والثاني ماالذي نحتاجه فعلا لجذبهم لمثل هذه الدراسات المهمة، وهل كليات الشريعة، بمناهجها واساتذتها، مهيئة فعلا لاستقبال الطلبة المتميزين ؟، واذا ما افترضنا جدلا انها مهيئة ( وهذا يحتاج لنقاش طويل ) فهل المناخات الدينية العامة والمؤسسات التي سيلحقون بها بعد تخرجهم ستمنحهم الفرصة لتقديم افكارهم التي تتناسب مع وعيهم، لكي لا نقول استيعابهم وابداعاتهم وقبول خطابهم الجديد.؟
سأترك الاجابة على هذه الاسئلة لمن يعنيهم الامر لكنني استاذن بالاشارة الى ملاحظة هامة، وهي ان كل ما يجري على صعيد المجال الديني من تطوير وتحديث، سواء في المناهج او على خطاب المنابر، او تاهيل الائمة والخطباء، او ضبط الدخول لكليات الشريعة، لابد ان ياتي سياقات مدروسة وضمن استراتيجية وطنية واضحة ومتكاملة، بحيث لا يبدو ذلك – كما يحدث احيانا – بمثابة فزعات، او استجابات لهواجس وضغوطات ما، او -اضعف الايمان – لبرامج معزولة عن بعضها البعض، وغالبا ما تكون نتائجها بعكس الاتجاه الذي نريده، ناهيك عما تثيره من هواجس ومخاوف وسط مناخات مغشوشة تتربص بالدين وتحاول تجفيف منابعه بحجة مواجهة التطرف او تغير اتجاهاته غير المرغوب فيها.
يبقى ان اشير الى بعض الملاحظات : الاولى ان معدل الطالب في الثانوية العامة على اهميته لا يجوز ان يعتمد كاساس لقياس قدرة الطالب او تحديد خياراته او حتى ميوله العلمي، فربما يبدع طالب حصل على 65 % في التوجيهي بدراسة تخصص يرغب فيه افضل من طالب اخر حصل على 80 %، خاصة التخصصات الانسانية، الملاحظة الثانية هي ان قرار رفع معدلات القبول في الشريعة لا ينعكس فقط على عدد الطلبة الذين يرغبون في ذلك وانما على المجال الديني بشكل عام، ابتداء من المساجد التي تعاني من نقص مفزع بالائمة والخطباء، الى اساتذة الشريعة الذين يعانون من البطالة وبعضهم هاجر للخارج، وصولا الى الجامعات نفسها، التي ستضطر الى اغلاق كليات الشريعة فيها، اذا لم يتوفر لها ما يلزم من الطلاب.
اما الملاحظة الاخيرة فهي ذات شقين، احدهما يتعلق بضرورة تغيير او تعديل مساقات التعليم الشرعي والتركيز على تدريس الفكر الاسلامي المعاصر بانواعه بدل التركيز على اقوال السلف من الفقهاء فقط، ثم المزاوجة بين تدريس الشريعة والعلوم المدنية، على اعتبار ان اقتصار دراسة الشريعة على علوم الدين فقط سيحرمهم من التواصل التواصل المعرفي مع علوم الدنيا ومع واقعهم ايضا، اما الشيء الثاني فهو ضرورة تحرير كليات الشريعة من تضارب او احتكار الاتجاهات الفكرية، وفتحها على آفاق المدارس والتجارب الاسلامية والانسانية بحيث لا تخرج كلياتنا الشرعية “ طوائف “ تتعصب لافكارها واتجاهاتها، ولا احزاب شرعية متضاربة في خطاباتها.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)