TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كاميرا و تصوير و ترين معان !
24/07/2017 - 12:00am

ا.د. نجيب ابو كركي (*)

كنا من القلة القليلة المحظوظين الذي يمتلكون في بيتهم كاميرا منذ خمسينيات القرن الماضي، كوداك صندوق اسود وابيض جاءت لوالدي رحمه الله بمحض الصدفة عن طريق يانصيب! واضبت تلك الكاميرا عاملة لأكثر من ربع قرن ووثقت لوحدها حفلات زواج معظم الاقارب التي كانت تجري بغرف متواضعة وعلى السليقة دون بذخ او هدر او تكاليف من العم ابو حسين الذي نقطه والدي خمسة دنانير وخاروف اضافة لبكسة بندورة وخيار وسحارة عنب وحتى العم الدكتور ابو انس الذي تميز عرسه بطقس هام تذوقت بموجبه ولاول مرة البوظة العربية بالحليب والفستق الحلبي والمستكة التى كنت اجهل اسمها وحسبتها بعد الاستفسار اجنبية ما ! . غيرت تلك الكاميرا نمط حياتنا بأكثر من ناحية ، في بيتنا براويز و صور و علب توفي مدورة ومزخرفة برسومات بهيجة ملئية بالصور. وعيت على الدنيا مستغربا تعليق عدد من " الشخصيات" على حائط الغرفة مبروزين وسألت عن كل واحد منهم فكانت الاجابات رتيبة تثيرالرعب في القلوب الصغيرة! ، هذا المرحوم فلان وهذه المرحومة فلانة وهنا المرحومين فلان وفلان وفلانة وهنا التصق بثنايا ادراكي الوليد ان الصورة مرتبطة بالانتقال الى الحياة الابدية. تجنبت بكل ما اوتيت من حيلة تارة ودموع طورا ان اتصور بسبب عدم وضوح تلك الحياة الابدية في ذهني ذلك الوقت ولانني كنت مشتاقا لجدتي رحمها الله وساندويشات السمن وسكر التي كانت تودني بها والتي لم تعد ابدا من بروازها ولا لمرة واحدة رغم اشتياقي وفضولي الشديدين. هربت من البيت في العيزرية قرب القدس عندما علمت بأن النية قد عقدت للخروج الى الحقول مصطحبين معنا دار خالي ابو فخري القادمين لزيارتنا من معان لالتقاط الصور ! وما زالت تلك الصورة التي التقطت بالمناسبة تخلوا من رسمي ، من غير شر، كما كانت تردد والدتي عليها رحمة الله كلما فتحت علبة التوفي لتعرض الصور على ام حسين ابو كركي وام مروان الشركسي وام جاسر الطباخ وام راكان المجالي اضافة لناهدة التي لم تكن قد وصلت لرتبة ام احدهم بذلك الوقت. جلسات كانت تنتهي بالدموع عندما يصل الامر لصورة جدتي رحمها الله وعندما تبدأ والدتي بتفصيل كيفية وعكتها المفاجئة و انتقالها الى الرفيق الاعلى خلال ساعات واصفة بنفس التفاصيل كيف استدعينا لها الطبيب الذي كان بالصدفة بزيارة جيراننا دار ابو جورج و كيف ان الطبيب كرر وخزها بدبوس دون ان تستجيب او يتلاشى لون شفتيها المزرقتين بعد ارتباط لسانها وعجزها عن مبادلتنا الضحكات والحديث كما كانت تفعل في كل صباح، كنت استمع للقصة باهتمام شديد املا ان تختلف نهايتها و تخرج جدتي من برواز صورتها ولو لمرة يتيمة. ويخيم الحزن برتابة دوما وتذرف النساء المتواجدات دموعا سخية بصمت ، اشارك بذلك تشفق والدتي و تأخذني الى الغرفة الثانية و تجلب لي عددا من قطع الصابون النابلسي وتسمح لي ان ألهو بها بوسط الغرفة الممدودة ارضيتها بالاسمنت الصقيل عوض البلاط وابدأ بصف قطع الصابون الواحدة تلو الاخرى لتشكل "ترين معان " القادم من محطة عمان حيث تذوقت البوظة العربية لاول مرة بحفل زواج الدكتور ابو أنس اطال الله بعمره. اقارن اوضاع طفولتنا بأطفال هذه الايام لم يعد ترين معان يهمهم وانصب جل اهتمامهم على الهواتف الذكية وتعدد وسائطها قبل هجرها وتحويلها الى شاورما الكترونية واستبدالها بهواتف قادمة اكثر ذكاءا. 
من معان .. اسعد الله اوقاتكم.

الصورة : الجد1957 و الحفيدة 2017
(*) استاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل - كلية العلوم- الجامعة الاردنية

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)