TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
قرار جريء من الجامعة الأردنية...لكنه منقوص..!
19/12/2016 - 9:30am

طلبة نيوز- د.عصام الموسى 

قرار جريء وعلمي اتخذه مجلس عمداء الجامعة الأردنية بقيادة الرئيس عزمي محافظة نعتبره انتصارا لما طالبنا به على صفحات (الرأي) مرارا ، ومع آخرين، الا وهو اعلاء قيم العقلانية عند الطلبة الأردنيين بإدخال مادة الفلسفة كمتطلب اجباري في الدراسة.

هذه المادة ستعطي الدراسة الجامعية ألقا، لأنها بداية طريق قد تعيد للعقل العربي بعضا من رونقه. قديما اعتبر العرب (ارسطوطاليس) المعلم الأول اعترافا بأهمية الفكر العلمي، ووقروا هذا الفيلسوف لدرجة ان أطلقوا عليه لقب (المعلم الأول). وكان من علو هامة الفيلسوف الفارابي انه رضي بلقب (المعلم الثاني). 

كان هذا ايام العصر الذهبي في الثقافة العربية في القرن الرابع الهجري حين بلغت الحضارة العربية درجة متقدمة، وحين قاد الخليفة المأمون، كزعيم سياسي متفرد في رؤيته العلمية، حركة العقلانية العربية الى مرحلة كادت ان توصل العرب الى نهضة تنقلهم الى عصر جديد- لولا مشاكل النسب التي جاءت بالفرس ثم الأتراك ليقودوا الأمة نحو شلل فكري استمر قرونا طويلة حتى قيام النهضة الحديثة والثورة العربية الكبرى المجيدة.

من حق الطالب العربي الأردني ان يتعرف على آراء الفارابي في كتابه المشهور «آراء المدينة الفاضلة»؛ ومن حقه ان يدرس فلسفة ابن رشد التي وفقت بين العقل والايمان، وان يتعرف على «المدرسة الرشدية» التي ظهرت في اوروبا على يد المفكرين الذين اعتنقوا فلسفة ابن رشد وان يعرفوا لماذا قادت فلسفته الى النهضة الأوروبية بينما احرقت كتبه في بلاد العرب؛ بل ومن حق الطالب ان يعرف ان ديكارت، الفيلسوف الذي رفع لواء الشك للوصول الى الحقيقة «أنا افكر فأنا موجود» قد تأثر بالمنهج التجريبي الذي أرساه ابن الهيثم. ومن حق الطالب ان يتعرف على الفلسفة الماركسية والفلسفة الوجودية ومدارس الفلسفة الأخرى.

اقرار مادة الفلسفة كمتطلب اجباري خطوة رئيسة تسهم بالتأكيد في اعادة وضع التعليم في الأردن على الطريق الصحيح، لكنها خطوة يجب ان تتلوها خطوة أخرى. وهذه تقضي بإقرار مادة اجبارية ثانية يفرضها العصر، وطالبتُ كثيرا بوضعها في مناهج السنة الرابعة، تعلم الطالب الاعلام ووسائل الاتصال الجماهيري والمجتمعي وكيفية التعامل معها.

يقر العلماء الاجتماعيون والنفسيون ان التنشئة الاجتماعية للمرء تقوم على اربعة مرتكزات تؤسس شخصيته هي: الأسرة، والرفاق، والمدرسة، ووسائل الاعلام. لا شك بان الأسرة تقوم بدورها في تأسيس شخصية الفرد منذ ان يرى النور، ومثل ذلك أصدقاء الطفل ورفاقه الذين يختلط بهم، ثم يأتي دور المدرسة والجامعة وما يتعلمه من مهارات تصقل تلك الشخصية ؛ ورابعا وأخيرا تأتي وسائل الاعلام المختلفة التي يبدأ الطفل بالتعرض لها من الصغر وتلازمه مدى الحياة: بدءا ببرامج الأطفال ، ثم السينما والمسلسلات، ومؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي التي تصل الفرد بعوالم لا حدود لها. ويقضي المرء مع هذه الوسائل متلقيا لرسائلها الساعات الطوال التي قدرها بعض الدارسين بعشر سنوات للإنسان الذي يعيش فوق الستين.

وهذه الوسائل لها افرازات ايجابية وسلبية يجدر بالطالب ان يتعرف عليها في مقرر شامل، خاصة مع ظهور «الصحفي المواطن» الذي يمتلك هاتفا ذكيا ييستقبل به المعلومات ويرسلها، فتصبح صورة التقطها احد الناس بالصدفة صورة مشهورة تسري على الطريق الاعلامي السريع. لقد صار الاتصال سمة العصر الذي نعيش فيه فصار يعرف (بعصر الاتصال). وفي تخصص الاتصال(communication) ,هناك ما لا يقل عن اربعين ميدانا في الاتصال، من أخطرها الاعلام (Mass Communication) او (media)، وحديثا برز الاتصال التبادلي التفاعلي الرقمي الذي وفر للانسان فرصة ارسال واستقبال المعلومات وهو مجال يتعرض الى مضامين حيوية ذات صلة بالعولمة الاتصالية والغزو الثقافي وبشركات الإعلام العابرة للقارات، الخ؟؟؟

اليس حري بنا بعد هذا ان نأمل ان تستجيب الجامعة الأم، فتقر مادة الاعلام والاتصال مقررا اجباريا يعلم الطلبة كيفية التعامل مع هذه الوسائل، فتعظم الايجابيات، لتدرأ عن مجتمعنا خطر السلبيات ، ونكون بهذا قد زودنا اباء وامهات المستقبل بسلاح العصر المعرفي اللازم كالطعام والشراب.

اطالب بتدريس هذه المادة في الجامعات من باب المسؤولية ازاء اعداد جيل قادر، وقد سلخت أربعة عقود من عمري في تعليم الإعلام والاتصال، وتزداد قناعتي يوما بعد يوم بضرورة تدريسه في مساق اجباري متقدم ، ويحدوني الأمل وقد تقاعدت ان يسمع صوتي.

لكن: لا بد من التحذير من أمر غير علمي بدأ يطغى مؤخرا، وهو ظهور طبقة من «المتطفلين» على تخصص الإعلام والاتصال، القادمون من تخصصات الاجتماع والعلوم السياسية والحقوق وغيرها ، والذين يحصلون على وثيقة رسمية من هيئة الاعتماد تجيز لحملة الدكتوراه تدريس المادة ، بحجة انهم درسوا مساقات في تخصصهم ذات صلة بالإعلام. وسؤالي ببساطة: هل يستطيع طبيب الآسنان ان يدرس تخصص الأمراض الباطنية في كلية الطب؟

وعلى الهيئة ان تعلم ان تخصص الاتصال والاعلام أوسع من تلك التخصصات جميعها، وان دارسه يجب ان يكون ملما بالنظريات النفسية والاجتماعية والسياسية والحقوقية ،وغيرها، وليس العكس. لذا على هيئة الاعتماد الا تخلط الأوراق، وتكون أمينة لرسالتها التربوية ، وتعمل على سحب التراخيص التي أعطتها لهذه الفئة المتطفلة، كما وعليها ان تتوقف عن اصدار تراخيص جديدة، في وقت يزداد فيه حملة الدكتوراه في تخصص الإعلام والاتصال.

ان اقرار مادة الاتصال والاعلام في الجامعة مسألة ملحة، خاصة واننا نعيش في ظلال ثورة الاتصال الرابعة الرقمية والتي قال عن انجازاتها (بيل جيتس) يوما اننا ما نزال فب بداية الثورة. ان تحصين ابنائنا بسلاح عصر الاتصال امر ملح.

الراي 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)