TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
طريق الجامعات الأردنية نحو العالمية وتحدياتها
28/12/2016 - 11:30am

طلبة نيوز-  الأستاذ الدكتور رامي عويس /مديرمركز التطورير الأكاديمي وضمان الجودة -جامعة العلوم والتكنولوجيا

 
تعتبر مشاركات أعضاء الهيئة التدريسية في المؤتمرات الدولية التي تعقدها الجامعات والمؤسسات المعنية بالتعليم العالي، أحد أهم الركائز الأساسية التي تسهم بالارتقاء بالعملية التدريسية وتطوير قدرات القائمين عليها، بالإضافة لإثراءها لخبرات الإدارات الجامعية بكافة مستوياتها، من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين في هذا المجال. ولطبيعة المهام والمسؤوليات الإدارية المنوطة بي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ، سنحت لي فرصة المشاركة في المؤتمر الذي عقدته منظمة QS في مدينة بوتراجايا الماليزية، والذي كان بعنوان: "التوجهات الجديدة في التعليم العالي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي"، حيث انصب اهتمام المتحدثين في المؤتمر على المعايير الواجب توفرها للوصول إلى العالمية، بالإضافة لعرض التجارب الخاصة ببعض الجامعات التي تحتل مراتب عليا في التصنيف العالمي للجامعات QS، موضحين كيفية وصولهم لهذا المستوى المتطور في الأداء المؤسسي وما اتبعوه من أسس لتحقيق المعايير المطلوبة للوصول إلى العالمية.
وبناءً على ما تقدم، يتطلب الأمر عقد مقارنات بين الواقع الذي تعيشه جامعاتنا الأردنية وتلك الجامعات العالمية، كدراسة للفجوة التي يمكن من خلالها تعظيم الجيّد لدينا في بعض المجالات وتصويب التشوهات في المجالات الأخرى. وقد انطلق معظم المتحدثين في العروض التي قدمت في المؤتمر، من أن المعايير المعتمدة في التصنيف العالمي QS يمكن اعتمادها كمعايير تصب في التأسيس لجامعة عالمية مرموقة، وتتمثل المؤشرات الأدائية المعتمدة في التصنيف بستة معايير، هي: 
1. السمعة الأكاديمية للجامعة.
2. أراء جهات التوظيف بخريجي الجامعة.
3. نسبة الطلبة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة.
4. نسبة الاستشهاد لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة.
5. نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب المعينين في الجامعة.
6. نسبة الطلبة الأجانب المسجلين في الجامعة.
والعمل على تحقيق هذه المعايير يهدف إلى تقييم أداء الجامعة في أربعة مجالات، هي: البحث العلمي، التدريس، مقدرة الخريج في الحصول على عمل، والتدويل (Internationalization).
وقد اتفق جميع المتحدثين في المؤتمر على أن القدرة المالية للجامعة واستقرارها، هي الضامن الأساسي للدخول في المنافسة العالمية، بيد أن الملائة المالية هي المحرك الرئيسي لعمليات التحسين والتطوير في المجالات الأربعة آنفة الذكر. فالبحث العلمي يرتكز على مكونات أساسية ثلاث، هي: الباحث والبنية التحتية اللازمة للبحث العلمي والفنيين المُعينين لهذه الغاية، والتدريس بدوره يعتمد على كفاءة عضو الهيئة التدريسية والبيئة التعليمية، وفي كلا المجالين فإن بناء القدرات والتمكين يلعبان دوراً بارزاً في إنتاجية البحث العلمي وقدرة الخريج على المنافسة دولياً، ويصبان في مصلحة التدويل القائمة على بناء شراكات خارجية تهدف لإيصال إنجازات الجامعة المختلفة للعالم وزيادة الاعتراف والإلمام بها عالمياً (International visibility). 
ومن الجدير بالذكر أن الدعم المالي المساهم في الدخول إلى العالمية، سيعمل على أن ترتبط العملية التدريسية بالتوظيف من خلال عمليات التطوير والتحسين، بحيث تدار تلك العملية بطريقة تهدف لأن يكون خريج الجامعة مؤهلاً ومشاركاً في صناعة الوظيفة، لا باحثاً عنها كنتيجة لتضمنها عنصري الإبداع والابتكار وتنميتها للمسؤولية المجتمعية، فتتشكل بذلك أعداد من الخريجين المنتجين للمعرفة أكفاء في نقلها ونشرها ومساهمين في إيصال جامعاتهم للمحافل الدولية. وهنا يجدرالقول بأنه من غير المعقول إغفال دور الدعم المالي في خدمة التوسع في الدراسات العليا المشتركة مع جامعات عالمية مرموقه، كأحد مفاتيح النجاح لإنشاء جامعة بحثية خادمة لتدويل البحث العلمي الذي يصب في مصلحة الاعتراف والتوسع العالمي، فمن خلاله يمكن العمل على استقطاب باحثين وعلماء قديرين للمساعدة في عملية الانطلاق نحو العالمية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن معدل نسبة طلبة الدراسات العليا لطلبة البكالوريس في أفضل عشر جامعات حكومية أمريكية، هي 2.8:1 وفي أفضل عشرجامعات أمريكية خاصة هي 1.1:1. هذا ناهيك عن أن الدعم المالي يساهم في تنفيذ استراتيجية العملية التدريسية التي يجب أن تبنى على أساس أنها المحرك الأول لاقتصاد الدولة، ليس من خلال عمليات إنتاج المعرفة ونشرها وحسب، وإنما من خلال توطيد الربط مع الصناعة ودعمها بالحلول المبتكرة ايضاً.
وتعتمد القدرة المالية للجامعات الأردنية على أمرين أساسيين، الأول: يتمثل بالدعم المقدم من الحكومة، والثاني: يتمثل بالإيرادات المتأتية من خلال الرسوم الجامعية، ولأن الأمر الثاني مرتبط وبشكل مباشر بسياسات الدولة التعليمية الخاصة بآليات وعمليات القبول والاستثناءات، وهو أمر من الممكن علاجه من خلال القبول المباشر، لن نتعرض له هنا. أما فيما يتعلق بالدعم المالي المقدم من الحكومة فنعلم أن الوضع الاقتصادي للدولة الأردنية في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية الراهنة، لا يسمح بتوفير الدعم المالي المطلوب لكافة الجامعات الرسمية، لذلك لابد لنا من البحث عن أساليب جديدة لعمليات توفير الدعم اللازم. ويمكننا بهذا الخصوص الاقتداء بالتجربة الروسية التي عُرضت في المؤتمر وتتلخص بالمشروع المعنون "مشروع التميز الاكاديمي الروسي 5-100"، وهو مقترح للرئيس الروسي يهدف لإدراج خمس جامعات روسية ضمن أفضل 100 جامعة عالمية بحلول 2020م، وقد دخل المشروع حيز التنفيذ في آيارعام 2013م، ويقوم على أن تتقدم الجامعة الروسية الراغبة بالحصول على دعم مالي حكومي بخطة عمل تتنافس من خلالها مع شقيقاتها من الجامعات الروسية المشاركة في المشروع وعددها 90 جامعة، للحصول على الدعم المالي اللازم للدخول ضمن المائة الاوائل في تصنيف QS ، أي أن الدعم المالي الحكومي اقتصر فقط على الجامعات التي ربحت المنافسة في المشروع وعددها 15، الأمر الذي أسس بدوره لإحداث منافسة صحية بين الجامعات الروسية نفسها ساهمت في رفعتها والاهتمام بأمور تميزها عن غيرها، والنتيجة كانت أن دخلت ثلاث جامعات روسية في عام 2016م ضمن المائة الأوائل، أي قبل اربع سنوات من انتهاء المدة الممنوحه لهم. السؤال المطروح إذاً هل يمكن للحكومة الأردنية أن تتبنى مشروعاً مماثلاً بحيث يُعطى الدعم المالي لجامعتين حكوميتين فقط تأخذان على عاتقهما الدخول الى العالمية؟
ومن الأمور الداعمة لمنهجية العمل على تحسين واقع حال جامعاتنا للنهوض بها فيما يتعلق بمؤشرات الأداء 
الست السابقة، والتي كان قد ركز عليها المشاركون في المؤتمرهي الاستقلالية التامة للجامعات، فبالرغم من وجود سياسات تدعم هذا التوجه في الأردن، إلا أن الشق المعني في عمليات التوظيف للكوادر العاملة في الجامعات بات فقط من خلال ديوان الخدمة المدنية، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً في طريق جامعاتنا للعالمية، فالكادر الفني المطلوب والداعم لعمليات البحث العلمي والموظفين المساندين في إنجاح العملية التدريسية، يجب ان يتمتع بمواصفات الأجدر أن تتحقق منها الجامعة نفسها. أما الجانب المتعلق بالدعوة لتقليل أعداد تلك الكوادر في جامعاتنا كونها تشكل عبئاً عليها، فيكفي أن نشير هنا إلى أن معدل نسبة عضو هيئة تدريس للكادر الوظيفي والفني الموجود في أفضل عشر جامعات أمريكية حكومية وعشر أخرى خاصة هي 10:3. كذلك فإن إغلاق باب تعيين أعضاء هيئة التدريس غير الأردنيين لا ينسجم مع معايير الدخول إلى العالمية إذ يقلل من التحصيل النهائي للجامعة في منافستها ضمن التصنيفات العالمية، علماً بأن معدل نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب في أفضل عشر جامعات عالمية وفقاً للتصنيف العالمي QS هو 1:1.07.

وفي الختام نقول، إن الطريق إلى العالمية يتطلب منا التعامل بمهنية عالية وأن نعي أننا في عالم متسارع الخطوات تحكمه الجودة في الأداء، وأن التغيير الجذري لمفاهيمنا حول معايير العالمية لمؤسسات التعليم العالي بات ضرورة ملحة تفرضة علينا المتغيرات التي طرأت في مجال نهضة العلوم وعلينا أن نستفيد من تجارب الدول التي اعتمدت البحث العلمي وسيلة للتحديث الدائم لجامعاتها. وعليه فإن عملية التغيير الشامل ودعم الجامعات تتطلب تظافر جهود جميع المعنيين في التعليم العالي وأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في هذا الوطن حيث أن النهضة العلمية ستؤثر إيجابياً على كافة مجالات العمل في الدولة وترسي دعائم النهضة الاقتصادية مما يعود بالنفع على المجتمع بأسره تقدماً وارتقاءً بنوع المعيشة ورفاه الفرد.