TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
صورة طبق الأصل!
10/03/2014 - 2:15am

طلبة نيوز-احمد حسن الزعبي

بعد أن فقد الأمل بإيجاد وظيفة دائمة تُحسّن وضعه الاقتصادي، وبعد أن ملّ الـ»مياومات»، والانقطاع عن العمل، وتراكم الديون، والسؤال الذي تحقّن في أذنه اليمنى كلما رآه قريب أو نسيب أو جار « شو ما لقيتش» شغل؟...قرر أحد الشباب في منتصف الثمانينات المضي قدماً في الحصول على «فيزة» هجرة إلى أمريكا..
بقي الشاب طوال الليل يرتّب أوراقه، ويضع «شنكل» ألأوراق على زاوية تسع صور شخصية تصورها بأحد استوديوهات البلد أثناء عرض خاص الــ»18 صورة بدينار» ذات نهار..صحيح أن الشامة تبدو فوق شفته العليا جليّة ومدوّرة كــ»زرّ جاكيت» لكن الصور بالمجمل تفي بالغرض..
كان الصمت يخيّم على العائلة كلها، جميعهم يشعر بالحزن على هذا القرار، الأخت تبكي بصمت، الأم تمسك مسبحتها.. وتقول بصوت مرتفع «لااااااا اله الا الله» كلما خنقتها العبرة، الأخوة الصغار يجلسون وفي عيونهم طاقة مضاعفة من الحنان يراقبونه وهو يرتّب أوراقه حسب الأهمية وحسب الأولوية، أما جدّته فكانت تعيد نفس العبارة كلما طوى ورقة ووضعها في المحفظة (كلشي ولا الصلاة يا جدة...)..فيردّ: ان شاء الله يا جدّه، ان شاء الله...ثم يعود إلى وضع المصدقات والصور طبق الأصل...ويتأكد من «زُرقة» ختم الخارجية..وهو يتخيّل نفسه بين أبراج نيويورك..وكيف سيبدأ قصة كفاحه هناك، وكيف ستتحسن لغته الانجليزية وكيف سيواظب على الصلاة في وقتها..فتذكره الجدة ثانية (كلشي ولا الدروب العاطلة يا جدة..خلّي ذيلك طاهر)...يهز رأسه موافقاً ويقول للمرة الألف: ان شاء الله يا جدة إن شاء الله...وبعد أن ينتهي...يضع كل ما جمعه في «الفايل» البلاستيكي، ثم ينقل الأخير على سطح التلفزيون استعداداً للاستيقاظ باكراً..
في الصباح على غير العادة، يجد حذاءه ملمّعاَ..وقميصه مكويا..وكوب من الشاي على حافة سدر الفطور..انه اهتمام استثنائي فالرجل سيهاجر ربما بعد ساعات أو أيام على ابعد تقدير...يفطر ويتوجّه إلى مجمّع السيارات..ينتظر هناك نصف ساعة..ساعة..ساعة ونصف..سأل أحدهم على الطابور..فيش سيارات على عمان؟؟..ردّ الآخر: أجت سيارة «العبد»..بقولوا قاسم الجركن مبنشر بالثغرة...هنا خرج الشاب من الطابور وعاد إلى البيت وألغى مشواره إلى السفارة الأمريكية إلى الأبد...كما عاد إلى المياومات والعمل المتقطّع وتراكم الديون...
***
ومع ذلك، وبعد ربع قرن من فشل المحاولة «من مجمع السيارات» كلما سمع أحد أفراد أسرته عن إعصار في الولايات المتحدة..لا يتوانى عن القول: ( مليح اللي ما رحت على أمريكا..كان هسع قلقنا عليك )..وكلما ذكرت ألأخبار عن حادث إطلاق نار على مدرسة ابتدائية بادرته الوالدة ( الحمد لله اللي ما طلع لك بالمخسوفة..)...وكلما سمع خبر عن حادث اغتصاب او اعتداء جسدي على أمريكية...انحنت الجدّة ولامست بكفها الأرض لتبوس يدها وتضعها على جبينها..(ان حفيدها بقي ذيله طاهر والى الأبد)..ولا أحد يعرف أن حلم الوصول إلى أمريكا انتهى عندما بنشر قاسم الجركن في جرش...

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)