TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
خطة إصلاح التعليم في الأردن وإشكاليات التطبيق
04/12/2016 - 4:15am

خطة إصلاح التعليم في الأردن وإشكاليات التطبيق
د.أحمد بطّاح
قبل ثلاثة أشهر تقريباً تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ، وقد إشتملت الإستراتيجية على خطة للإرتقاء بمستوى التعليم لمدة عشر سنوات ( 2016-2025 ) ، وذلك إنطلاقاً من ان تنمية الموارد البشرية أمر غير ممكن بدون توفير نظام تعليمي عصري وفعال .
لقد إنطوت الخطة على تشخيص دقيق لمشكلات التعليم العام ، ورصدت أهم المؤشرات التي تفيد بوضوح بأن هذا التعليم بحاجة إلى إصلاح يستند على رؤية علمية ، وإلتزام منهجي يعيد الأردن إلى وضعه السابق في المجال التعليمي : الأول بين الدول العربية ، والمنافس على المستوى العالمي .
ولكن هل هذا ممكن ؟ وإذا كان ممكناً فما العقبات والتحديات التي يمكن أن تقف في الطريق ؟ إنّ الإجابة على هذه التساؤلات هي أن الإصلاح ممكن ، ولكنْ هناك جملة إشكاليات لا بدّ من التعامل معها إذا أردنا تحقيق الهدف التعليمي الكبير الذي أشرنا إليه آنفاً ، وقد تكون على النحو الآتي :
1- ضرورة تبني هذه الخطة الأصلاحية من قبل الدولة ، وبغض النظر عن الحكومات . لقد قام معالي رئيس اللجنة المكلفة بوضع الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية بتسليم وثيقة الأستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية إلى دولة رئيس الوزراء صاحب الولاية العامة تعبيراً عن أنّ الوثيقة أصبحت في عهدة الحكومة للتنفيذ ،وفي اليوم التالي تبنى مجلس الوزراء الخطة وشكل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء لمتابعتها ولكن من يضمن أن تلتزم الحكومات المتعاقبة بهذه الخطة ؟ بل ومن يضمن بالإلتزام بهذه الخطة حتى لو إستمرت الحكومة وتغير وزير التربية والتعليم فقط ؟ لقد تعودنا في الأردن على تغيير الحكومات ، وتعودنا كذلك على أن تغيير الوزراء يعني في كثير من الأحيان تغيير السياسات والتوجهات المتبناة من قبل الدولة , ولعل ما حدث للأجندة الوطنية ما زال ماثلاً في الأذهان ، فقد كانت هذه الأجندة تصوراً رائعاً لأردن المستقبل في كافة النواحي السياسية ، والإقتصادية ، والإجتماعية ، ولكن ما إن تغيرت الحكومة التي إعتمدتها حتى وُضعت على الرفّ بحجة عدم توفر الامكانيات .
2- توفير التمويل اللازم : إن منّ السهولة يمكان وضع الخطط الرائعة ، ولكن الفيصل في الموضوع هو : هل لدينا الامكانيات والموارد لتنفيذ ؟ لقد تمت الإشارة في معرض الخطة إلى أن وزارة التربية والتعليم تخصص ما لا يزيد عن ( 10% ) من موازنتها ( البالغة 900 مليون دينار تقريبا ً) للتطوير . فهل هذا كافٍ لتنفيذ خطة طموحة كهذه ؟ وإذا كنا سنعتمد على المنح والمساعدات للتنفيذ فهل هذا مضمون حقاً ؟ إنّ الأردن كما هو معروف يعاني من عجز مالي كبير , ومديونيته تلامس حدود الخطر ( 93% من الناتج المحلي الإجمالي ) فهل يستطيع التنفيذ ؟ إن هذه التساؤولات جديرة بالتفكير والتدبر ، وما هو جدير بالتدبر أكثر هو أنه مطلوب من الدولة أن تعيد ترتيب أولوياتها بحيث تقرر أن التعليم ( العام ولاحقاً العالي بالطبع ) هو أولوية ، وبالتالي توفر له التمويل اللازم ، والواقع أن هذا قرار سياسي كبير لا بدّ من إتخاذه والإلتزام به ، وإلّا فإن كل ما نضعه من رؤى وخطط وإستراتيجيات لا قيمة حقيقية له ، إن ما ورد في قرار مجلس الوزراء بشأن الخطة من تخصيص للمطلوب في موازنة 2017 ، وتكليف وزير التخطيط بسد الفجوات التمويلية شيء جيد ولكنه قد لا يكون كافياً .
3- ضرورة ربط التعليم العام بالتعليم العالي : إنّ التعليم العام والتعليم العالي حلقتان متكاملتان كما هو معروف فمخرجات الأول تذهب إلى الثاني ، ومخرجات الثاني تذهب إلى الأول ، ولذا فإنّ من الاهمية يمكان ألاّ نكتفي بوضع خطة لإصلاح التعليم العام , ثم لا نشفعها بمثلها عن التعليم العالي ، وبخاصة أن معظم المؤشرات الموضوعية تفيد بتراجع التعليم العالي في الأردن شأنه شأن التعليم العام , والواقع أن إحكام الصلة بين التعليم العام والتعليم العالي ظلت معضلة على الدوام في الأردن ، ولم تنفع الحلول التي تم الأخذ بها سابقاً كدمج وزارتي التربية والتعليم العالي ، أو تعيين وزير التربية والتعليم نائباً لرئيس مجلس التعليم العالي ( غيرمعمول به حالياً ) ، وأمين عام وزارة التعليم العالي عضواً في مجلس التربية والتعليم . لقد إشتملت الخطة الإستراتيجية على توصيات إصلاحية هامة بشأن التعليم العالي ولكنّ المطلوب الآن – وبإلحاح – إجتراح آلية فعالة لربط سياسات التعليم العام بسياسات التعليم العالي ولا شك أن خبرات وتجارب الدول في المضمار التعليمي يمكن أن تكون مفيدة فلسنا بحاجة إلى إختراع العجلة من جديد كما يقولون .
4- توفير قيادات تربوية كفؤة ومؤهلة لتنفيذ خطة الإصلاح التعليمي الواردة في إستراتيجية تنمية الموارد البشرية ، والواقع أن هناك تركيزاً محموداً ومُبرراً على تأهيل المعلم ، ولكن ليس هناك تركيز كافٍ على على تأهيل القيادات التربوية – بكافة مستوياتها – والتي يفترض أن تكون مؤمنة بالإصلاح , وفاهمة له ، وقادرة على تحقيق غاياته ، بل لعلّي أزعم أنّ تأهيل القيادات التربوية وإعدادها الإعداد الصحيح هو الخطوة الأولى على طريق الإصلاح التربوي ، فالقائد هو الذي يخلق البيئة التربوية المناسبة ، وهو الذي يدفع إلى العمل الجّاد والفعال ، وهو الذي يعي فلسفة الإصلاح ، وأهميته ، ودوره ليس فقط على مستوى المؤسسة التربوية ذاتها ، بل على المستوى المجتمعي ككل .
5- الإرتقاء بالمكانة الإجتماعية للمعلم : لقد ركزت الخطة على تأهيل المعلم وتدريبه وهذا ضروري وهام بالتأكيد ، ولكنه ليس كافياً اذا لم يتزامن مع الإرتقاء بالمكانة الإجتماعية للمعلم ، فالمكانة الإجتماعية قائمة إلى حد كبير على العائد المادي ، وأنا أدرك بالطبع أن هذا قد يتطلب مبالغ كبيرة تضاعف العبء على موازنة الدولة المثقلة أصلاً ، ولكن لا بدّ مما ليس منه بدّ ( نذكر بضرورة إعادة ترتيب أولويات الدولة ) كما يقولون وإذا أردنا إصلاحاً تعليمياً حقيقياً فلا بدّ أن يتضمن تحسين الوضع المادي للمعلم فهذا هو المدخل الحقيقي – بالتزامن مع التأهيل والتدريب بالطبع – لمضاعفة عطاء المعلم حيث يصبح أكثر رضا عن عمله ، وأكثر إعتزازاً بكرامته ، وأكثر إقبالاً على برامج التطوير والتدريب التي تصمم له.
6- مضاعفة التركيز على مهننة التعليم ، وتنشيط دور نقابة المعلمين في هذا السياق . إن المهن لها شروطها كما هو الحال بالنسبة لمهنة الطب ، والهندسة ، والمحاماة ، وليس من المخجل أن نعترف أن مهنة التعليم ليست مكتملة الشروط التي يعرفها أهل الإختصاص ولو أننا نطلق صفة المهنة على التعليم من قبيل التمني والطموح . إنّ هذا يقتضي حكماً التعاون الوثيق مع نقابة المعلمين لإستيفاء شروط المهنة ، وبالذات فما يتعلق بالتدريب المعمق والمتخصص ، وتطوير دستور أخلاقي مهني ، والحفاظ على حقوق المنتسبين والدفاع عنها ، فضلاً عن التعاون مع أهل الإختصاص التربوي في تطوير معارف تربوية علمية ذات مصداقية .
أخيراً أرجوا أن أشير إلى أنني كنت عضواً في إحدى اللجان التي طورت الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي تضمنت خطة إصلاح التعليم ، ومن نافلة القول الإشارة إلى الجهد المنهجي والمضني الذي بُذل في بلورتها ، لذا فإن ما أوردته عن إشكاليات التطبيق هو ليس أكثر من تعبير عن الحرص على سلامة التنفيذ ، والتحسب لما يمكن أن يطرأ من عقبات والله من وراء القصد .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)