TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
جريمة الانتحار ... معالجة تربوية إسلامية
28/11/2017 - 5:45pm

د. ناصر إبراهيم الشرعه
بالرغم من كل الرهبة التي تثيرها كلمة الموت،إلا أننا كثيرا ما نسمع عبر الوسائل المختلفة بحالات الانتحار أو محاولته، والسؤال هو: ما الذي يجعل شخصا ما يقدم على إنهاء حياته طواعية؟ والإنسان بطبعه متمسك بالحياة ومتشبث بها، ويقدم كل ما يملك للحفاظ على حياته.
غني عن القول أن الإسلام - ونحن في الإردن كلنا مسلمون ديانة أو ثقافة- يحرم إزهاق الإنسان لروحه، وغلظ العقوبة على ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري ومسلم، وقد عد الفقهاء حفظ الحياة من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة السمحاء للحفاظ عليها وصيانتها.
وتشير النشرة الإحصائية الصادرة عن إدارة المعلومات الجنائية بأن حالات الانتحار في عام 2012 (86) حالة، وفي عام 2013 (108) حالات، وفي عام 2014 (100) حالة، وفي عام 2015 (113) حالة، وفي عام 2016 (120)، وهذه طبعا حالات الانتحار الناجحة، والعدد يتضاعف في الحالات الفاشلة.
وبيقى السؤال ما السبب؟ ... تشير الدراسة التي أجراها (د. فايز المجالي وعدنان الضمور ((ظاهرة الانتحار في الأردن: دراسة سوسيولوجية)) (2012) مجلة الدراسات الأمنية/ مديرية الأمن العام) على حالات الانتحار في الأعوام 2000 – 2009، أن أكثر العوامل المسؤولة عن هذه الحالات هي: العوامل الاجتماعية تليها العوامل النفسية ثم الاقتصادية، كما تشير إلى أن أكثر الفئات العمرية انتحارا هي الفئة (18- 27).
وتؤكد مثل هذه الأساب المسؤولية التربوية للأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية في معالجة هذه الظاهرة، فالأشخاص الذين يقدمون على هذه الجريمة بحق أنفسهم وبحق مجتمعاتهم، يعانون من تدني مفهوم الذات، وبأنهم غير متقبلين من بيئتهم الاجتماعية وأهمها الأسرة، فبحسب هرم ماسلو للحاجات الإنسانية فإن الطبقات او الفئات من الثانية وحتى الخامسة متعلقة بتقبل المجتمع للفرد حتى يشعر بالأمن والحب والانتماء وتقدير الذات وصولا إلى تحقيق الذات، فعلى الأسرة والمدرسة ممثلة بمعلميها أن تتقبل الطفل بقدراته وامكاناته المختلفة، وتشعره بأنه محبوب كما هو، مع العمل " الذكي" على تنمية قدراته إلى أقصى حد تسمح به امكانياته.
كما يبرز دور هذه المؤسسات بالتوعية الدينية وبناء وغرس القيم التي تؤكد قدسية حياة الإنسان والحفاظ عليها وصيانتها، وبيان أجر الرضا بقدر الله خيرا كان أم شرا، بما يجعله بعيدا عن الإحباط وأن لا يقع ضحية لليأس والقنوط، ويتلقى قدر الله بكل سرور، ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (أي فقد بصره) فصبر عوضته منهما الجنة (رواه البخاري). وهذا يقودنا إلى التربية على التفكير الإيجابي، وتوطين الفرد على أن ينظر إلى كل محنة بأنها تحمل في طياتها منحة، وأن فيها الخير للإنسان وإن لم يظهر له، والعمل على تربية الشباب على حل المشكلات وتمكينهم من المهارات العلمية والعملية لحل المشكلة، بدلا من الإستسلام لها.
وللتربية الإقتصادية الإسلامية التي تقوم بها هذه المؤسسات دور كبير في ذلك، فالتربية على ثقافة الاقتصاد والوقاية من مرض الشراهه الاستهلاكية (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (الفرقان: آية 67)، والتربية على حب العمل والبعد عن الكسل والعجز، خاصة العمل المهني، ففي الحديث ( عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ).
كما أشارت الدراسة المذكورة أعلاة عن علاقة بين الطلاق والانتحار، وأن العزاب أكثر اقداما على الانتحار من المتزوجين؛ لذا يحتاج شبابنا إلى التربية الأسرية التي تحث على الزواج، وحسن العشرة وتقدير واحترام الطرف الآخر، ومهارات حل المشكلات الزوجية، وبيان أهمية وقدسية رباط الزوجية الذي سماه القرآن (ميثاقا غليظا).
آملا ان تحظى هذه المشكلة او الجريمة ( الانتحار) بمزيد من الاهتمام والدراسة والبحث لمعالجتها، حتى لا تحصد أبناءنا وشبابنا الذين هم عدة الوطن وعتاده.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)