TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
جائزة البوكر العربية / يقين البقاء ...مصائر كونشرتو الهولوكست والنكبة والعودة
20/07/2016 - 4:00am

طلبة نيوز-

د. ابتسام أبو محفوظ / جامعة القصيم

             " مصائر " قصة  الروائي الفلسطيني ربعي المدهون التي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية هذا العام تحمل قصة الكفاح الفلسطيني للفلسطينيين على اختلاف أوضاعهم : أولئك الذين هجروا منها وتركوا كل شيء خلفهم ... حتى أرواح موتاهم التي رفضت اللحاق بهم ومشاركتهم اكتئابهم ،  وأرادوا العودة إليها   بكل الطرق الفردية ، وأولئك الذين أصبحوا رغما عنهم مواطنين في دولة الاحتلال  داخل الخط الأخضر يحملون جنسيتها  ، بعد أن فرضت عليهم قسرا  ، وأولئك الذين عاشوا على أرضها غرباء .

              يستخدم  ربعي المدهون تقنية بنائية  جديدة يستعير فيها شكلا بنائيا موسيقيا تنتظم حكاياته على إيقاعاته الحسية ، حيث يقوم بتوليف النص – كما يقول في مقدمته -  "في قالب الكونشرتو الموسيقي" ،  وهو  نوع من التأليف الموسيقي، يوضع لآلة واحدة أو لعدة آلات، حيث تقوم الآلة أو الآلات بأداء دور رئيسي، وبقية الآلات تكون مرافقة في الخلفية، وهو  يتكون  من أربع حركات تشغل كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين قبل أن يتحولا إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية ليظهر غيرهما وهكذا حتى الدخول في الحركة الرابعة والأخيرة ، موظفا تقنية تعدد الأصوات لتنهض بهذه المهمة السردية ، في ضوء التحام الزمان والمكان لتشكيل الحكاية التي تمتد من زمن الانتداب البريطاني  على فلسطين حتى يومنا هذا متابعا تفاصيله في عدة مدن فلسطينية وأخرى أوروبية ، حيث تمظهرت  الشخصيات والأشياء متلبسة بالأحداث  التي تتصل برؤية الكاتب المدهون ، حيث كان المكان والزمان العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية ولا يغيبان عنها ؛ لتؤكد فكرة يقينية البقاء في كل حركة منها .

        تتناول الحركة الأولى جولي وزوجها وليد دهمان ، جولي ابنة الفلسطينية الأرمنية إيفانا أردكيان التي أحبت الطبيب  الضابط  البريطاني جون ليتل هاوس في عكا وتزوجته وهربت معه إلى بريطانيا قبل يومين من النكبة بعد أن أنجبت ابنتهما جولي ، لتوصي ابنتها قبل أن تموت أن تاخذ شيئا من رفاتها إلى عكا ... شيئا من بعضها وكل روحها ليعتذرا إلى عكا حارة حارة ، لتؤكد بقاءها في تلك الأرض ،التي تجذرت في خليج وجدانها ، وليجد جولي وزوجها  نفسيهما قد ارتبطا بحالة عشق لها تكرس في داخلهما الرغبة في البقاء ، وتعبرعن ذلك الانتماء الخفي الذي يتعمق في الحركة الثانية حيث  قصة جنين دهمان الروائية التي درست وسائط الإعلام المتعدد في أمريكا وعادت إلى يافا وزوجها باسم  الذي يحمل الجنسية الأمريكية ،  ليحكيا قصص من يتعايشون تحت الاحتلال ويحكيا قصتهما في أثناء بحثهما عن لم شمل يجمعهما في بلادهما التي غدت بلادين فهو من بيت لحم / عرب الجوار ، وهي من يافا / عرب البلاد ،جارتان تعيشان جنبا إلى جنب لا يفصل بينهما سوى سور ارتفاعه تسعة أمتار ،   متخذين من إميل حبيبي شيئا من يقين البقاء في حيفا ، ومهتدين بمنارته ... وفيها تكتب جنين روايتها " باقي هناك " تقص فيها رواية والدها ( محمود دهمان ) ليبقى هناك  في الأرض الطهور في الحقيقة كما هي الرواية ليتداخلا معا في الحقيقة وفي عالم الرواية .

في الحركة الثالثة يقرأ وليد دهمان  في  " باقي هناك " فكرة إمكانية  التعايش مع الآخرين فقد شهد بطلها  جنازة جارته أفيفا ...لكنه يقرر أن يزور أهله في غزة وقد عاشوا فيها لاجئين بعد أن توقف برنامجه الإذاعي " سلاما وتحية " الذي كان ينقل سلامه إلى الأهل ، راصدا معاناتهم وقد غدوا غرباء في بلادهم .

وفي الحركة الرابعة يمضي وليد وجولي إلى القدس لتحقيق الجزء المتبقي  من وصية الأم  لإيداع ما تبقى من رفاتها لدى عائلة فلسطينية تقيم في مدينة القدس ليحيا رفاتها في كل فلسطين ، وليبقى هناك ، فيلتقيا الدكتور فهمي وزوجته ندى وهما في كل ذلك يرويان تاريخ المدينة التي تحيا في الوجدان والذاكرة ...والمستوطنات تدفنها شيئا فشيئا " بنتفرج ع المستوطنات وهي تدفن القدس تحتها مستوطنة بعد مستوطنة  بنشوف ملامحها ابتتكوم فوق ملامحها وأساميها بتدوس ع اساميها " ( ص197) ، وكيف ابتلع اليهود مدينتهم حتى قبورهم ابتلعت  زيتون الجبل المقدس ،  وفي عتمة التاريخ يصعب رؤية التفاصيل ، وفي وضح نهار الحاضر يحجب جنود الاحتلال الرؤية .

ويزوران المدينة بكل ملامحها  منحازين إلى قداسة المكان وهيبته : بيت الشرق حيث فيصل الحسيني والأسواق القديمة ، راصدة صور الحياة للمقدسيين ومعاناتهم أمام غطرسة اليهود وتعنتهم .. الضرائب والمضايقات والاعتداءات المستمرة ، وصوت فيروز القادم من البعيد ، يغني للمدينة الساكنة على قارعة القلب حيث يسكن التاريخ والمجد والذاكرة : يا بهية المساكن ... يا زهرة المدائن ، يا قدس يا مدينة الصلاة ..

يزور وليد متحف المحرقة في القدس يلتقي وجولي جنين في يافا يتعرف على مصادر روايتها ومصائر أبطالها وما انتهت إليه علاقتها بباسم في الحقيقة والرواية .

وفي طريق العودة إلى لندن  يصير النسيان صعبا ، وتصير البلاد التي كانت بعيدة أقرب إليهم من حبل الوريد لتتذكر جولي كيف رفضت تلك المرأة وزوجها اليهوديان  اللذان سكنا بيت جدها أن يحتفظا بشيء من رفات أمها معلنين رفضهما أي شكل من أشكال التعايش .

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)