TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
تعليم التاريخ والثقافة الوطنية الأردنية
14/11/2021 - 6:45pm

بقلم د. محمد عطاالله الخليفات
إن الباحث والمتفحص لتاريخ التعليم في الأردن في عهد الإمارة 1921-1946م، يجد أن رجالات المعرفة والتعليم الأوائل في سنوات التأسيس الأولى من تاريخ الأردن الحديث كانوا يعون جيداً أهمية تدريس وتعليم التاريخ للتلاميذ من الصفوف الابتدائية الأولى، فكان من المواد التي تعنى بالتاريخ وتدرس في ذلك الوقت كتاب دروس التاريخ العربي للصف الأول والثاني وهي من تأليف الداغستاني، وكتاب دروس التاريخ العربي للصف الثالث من تأليف دروزة، وكتاب التاريخ العربي في الخلفاء الراشدين للصف الرابع وهو من تأليف حسني فريز، وإلى جانب مناهج التاريخ وجدت بعض المؤلفات الجغرافية التي كانت كذلك تدرس منذ الصفوف الأولى مثل مختصر جغرافية شرق الأردن للداغستاني، والدروس الأولى في علم الجغرافيا للداغستاني، والجغرافية الابتدائية لسعيد الدباغ، والجغرافية المصورة للصف الرابع، والموجز في الجغرافيا للمرحلة الابتدائية العليا، وكانت هذه المؤلفات تعزز بمصورات أو لوحات توضيحية (خرائط) على ورق أو كرتون مثل مصور شرق الأردن ومصور فلسطين ومصور سورية ومصور الجزيرة العربية والهلال الخصيب، وإلى جانب مناهج التاريخ والجغرافيا كانت هناك مادة المعلومات المدنية التي تدرس منذ الصف الخامس. ولعل هذا الاهتمام بتدريس علم التاريخ والجغرافيا للتلاميذ منذ مرحلة مبكرة من حياتهم قد صنع جيلاً معرفياً ملماً بتاريخ وحضارة وطنه وأمته، بل قادر على التأريخ والتوثيق لملامح عصره، فكان ذلك مما عزز من مسيرة البناء الوطنية. وكنت قد جلست في ذات يوم مع رجلاً من أبناء معان كان أحد تلاميذ ذلك العصر، يقول دخلت الكتّاب فدرست فيه سنة واحدة وبعد أن أجدت القراءة والكتابة التحقت للدارسة في المدرسة وكانت آنذاك عبارة عن بيت مستأجر من الطين، وكان معظم أساتذتنا من فلسطين، وقد حفظونا تاريخ أمتنا العربية والإسلامية بحيث أننا ما أن أنهينا الصف الرابع حتى كنا نحيط إحاطة تامة بتاريخ الأردن والوطن العربي، ويضيف قائلاً "مع أنني لم أكمل تعليمي حيث خرجت من المدرسة بعد الصف الرابع، إلا أن هناك الكثير من الباحثين والدارسين المعاصرين في تاريخ الأردن وممن يحمل بعضهم شهادة الدكتوراه يأتون لي لأوضح لهم ما يشكل عليهم من قضايا تخص تاريخ الأردن الحديث". ومما جاء أيضاً في مذكرات أحد تلاميذ ذلك العصر قوله :" كان أستاذنا إن قرأ درساً عن فتح الأندلس أو ضياعها، ومجد العرب والمسلمين فيها وأثرهم في نشر الحضارة الإنسانية في الإسلام في القارة الأوروبية تقشعر أبداننا لهول الموقف وشدة التأثر، وإذا تكلم عن حضورنا الإنساني ووجودنا العالمي عبر دمشق وبغداد والقاهرة وغيرها من المدن التي كان للعرب والمسلمين فيها رايات عز ومواقف كرامة يغرس في نفوسنا – ونحن طلاب الرابع الابتدائي – بذور الانتماء لوطننا ويضع بصمات المعلم الناجح النموذج في أداء واجبه وعمق تربيته".
هذا كان موجزاً بسيطاً جداً عن بعض مظاهر وحال تعليم التاريخ والثقافة الوطنية وصورة المعلم النموذج في أداء وظيفته في أول سني تاريخ الأردن الحديث، وكانت نتيجة ذلك التعليم أن خرّج رجالاً يمكن وصف بعضهم بأنهم موسوعات علمية ومعرفية متنوعة. والسؤال الذي يطرح نفسه أين نحن اليوم من ذلك الزمن وذلك التعليم؟!.
في الحقيقة لا مجال للمقارنة، فقد تغير التلاميذ وتغير المعلمون وتغيرت جميع المناهج التعليمية، فلم يعد التلميذ تلميذاً، ولا المربي مربياً، ولا المنهاج منهاجاً. وما يهمنا هنا مادة التاريخ ومادة التربية والثقافة الوطنية، فقد أضحت مادة جانبية لا قيمة لها، نصابها في المدارس حصة واحدة في الأسبوع، أما في المرحلة الثانوية فهي اختيارية، وفي الجامعات والكليات والمعاهد المتوسطة يمكن لأي مدرس أن يدرس مادة التربية الوطنية، وقد شاهدت بنفسي في إحدى الجامعات الأردنية الكبرى مدرس حاصل على درجة الماجستير في المحاسبة يكلف بتدريس مادة التربية الوطنية، ومدرس آخر حاصل على درجة الماجستير في الحاسوب يدرس مادة المجتمع الأردني، وكل ذلك بداعي إكمال النصاب؛ وكأن الجامعة والتعليم الجامعي وجد لتحقيق مصلحة المدرس وليس مصلحة الطالب. لا بل وبعد ذلك كله نتسقط أخطاء خريجي جامعاتنا ونلومهم على مستواهم المعرفي ولو بالعناوين العريضة لتاريخ وطننا وثقافته الوطنية، مع أن الملام هنا ليس الطالب بالدرجة الأولى، وإنما تقع المسؤولية على صانعي القرار وراسمي السياسات التعليمية وجامعاتنا الوطنية التي أهملت تاريخنا وحضارتنا. ولعل من أحد الحلول أو المخارج لنشر الثقافة الوطنية وتعليم تاريخ أردننا الحديث تعليماً صحيحاً هو جعل مادة تاريخ الأردن الحديث متطلب جامعة إجباري يقوم على تدريسها هي ومادة التربية الوطنية مختص بالتاريخ، وأن نتحرر من التبعية العمياء لدول لا تربطنا بهم روابط ثقافية ولا دينية ولا تاريخية ولا حضارية، وأن نكون أحراراً في رسم سياستنا ووضع مناهجنا التعليمية، كذلك أن نتحرر من ثوب الواسطة والمحسوبية التي ما هي إلا تجذيراً لمعنى التوريث الاجتماعي المتعالي للطبقة البرجوازية في مجتمع أنهكته السادية وشاعت فيه الطبقية وخاصة في اختيار وزراء التربية والتعليم والتعليم العالي وقادة جامعاتنا الوطنية.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)