TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الفساد في التعليم العالي
25/04/2017 - 12:45pm

بقلم الأستاذ الدكتور سلامه يوسف طناش
أستاذ التعليم العالي في الجامعة الأردنية
يسعى التعليم العالي وفي كل المجتمعات عادة إلى تطويرها والارتقاء بها في جميع مناحي الحياة. فهو المرتكز الرئيس للنهوض بأي أمة، وهو القادر على تغيير مساراتها، والقادر على صيانتها من كل أذى سواء أكان داخليا، أم خارجيا. لذا، عنيت به الدول ومجتمعاتها، وأنفقت وأحسنت الاختيار لقادته نحو المستقبل. وبالرغم من كل العناية، والرعاية، الشكلية والمظهرية، إلا أن التعليم العالي في كثير من المجتمعات لا زال بعيدا عن القيام بأدواره الموكلة إليه بأمانة وإخلاص، ولأسباب عديدة، يتم تناولها بسطحية، وهلامية مضللة في معظم الأحيان.
ويمكن القول بأن الفساد في التعليم العالي قد أصبح ظاهرة منتشرة في مؤسساته وخاصة في الدول النامية، وحتى تلك شبه المتقدمة أو التي في طور التقدم. إذ أصبحت القيم النبيلة لهذا النوع من التعليم مدعاة للتأمل – وللأسف - لدى فئة محدودة ممن يرعون هذا التعليم. كما أن الدول المتقدمة بدأت تُظهر تذمرا مما يبدو في الدول النامية من هذه المظاهر التي تخشى أن تنتقل إليها في ظل الحركة السريعة للتعليم، وبرامجه وأشخاصه، في عالم العولمة. فقراصنة التعليم العالي في الدول النامية قد اخذوا يمدون أيديهم لملفات التعليم العالي في الدول المتقدمة وفق إغراءات السيولة النقدية، وإرباكات النفوس والعقول.
ومع ازدياد الفساد في التعليم العالي، بدأت آثاره السلبية تظهر في المجتمع. إذ هو يعمل على إضعاف الثقة العامة بهذا التعليم، ويعمل على إرباك جودته، من خلال خريجين لا يمتلكون المعارف والمهارات والسلوكيات والأخلاقيات التي تؤهلهم للقيام بعمل ما، وإعداد مهنيين غير مؤهلين. والأخطر من ذلك تلك الأنماط القيميّة البغيضة التي يتعلمونها، وينشرونها في عملهم. إذ هم غير معدين إعدادا جيدا لممارسة أعمالهم، وكتعويض لذلك القصور الذي يبدونه في تسيير شؤون العمل. فينتشر النفاق، والكذب، والدهلزة، والكسل والرياء، والبغيضة، والخمول الاجتماعي، وضعف الإنتاج.
فقد أشارت منظمة الشفافية الدولية بوجود تقارير عن حقائق وشواهد لوجود فساد في التعليم في مختلف الدول. وكذلك بدت مؤشراته الوخيمة على المجتمع، والمتمثل في ضعف ثقة أصحاب العمل وثقة العامة في مؤسسات التعليم العالي، وما يرتبط بها من مؤسسات، كمؤسسات الاعتماد، ومؤسسات الجودة، ومؤسسات التصنيف. ويمكن أن يؤثر الفساد في التعليم العالي على الصحة العامة والسلامة الوطنية. ويتمثل ذلك في اختيار قادة المستقبل، وتطوير مؤسسات التعليم العالي. وكذلك زج كم هائل من الأفراد غير المعدين جيدا في سوق العمل، وبما لا يتلاءم ، أو يتوافق مع حاجاته كما، ونوعا. إذ أشار البنك الدولي إلى وجود علاقة إرتباطية بين الحصول على التعليم العالي والفساد الإداري.
كما يشوه الفساد في التعليم العالي الثقافة المدنية، وذلك كونه يجرح مفاهيم ذات قيمة عالية في المجتمع، كالعدالة، والنزاهة، وتربية ثقافة السخرية من الدولة، وفضائلها المدنية التي تطالب بها. وعندما يكون التعليم العالي فاسدا، فإن الشباب يعتقدون بأن الغش والرشوة وسائل مقبولة ومتعارف عليها للتقدم في حياتهم المهنية. وهذه الثقافة الملوثة تؤدي إلى الارتكاز عليها للنجاح الزائف في الحياة المهنية. وهذا بدوره يدفعهم إلى تبني طرق سهلة، ولا أخلاقية للوصول إلى مواقع متقدمة. إذ للتعليم العالي تأثير قوي في اختيار النخبة، وبالتالي هوية من يقود البلاد في المستقبل. وعندما يتداخل الفساد مع تلك المهام الأساسية للتعليم العالي، فإنه يؤدي إلى تقويض المجتمع، لما له من عظيم الأثر على مكوناته عامة. وهذا ما يعرف بالتمسك بالخطيئة الفاسدة كمظهر اجتماعي، يؤدي إلى الضعف بدلا من القوة والتماسك الاجتماعي للدولة.
ويتجلى الفساد من خلال أنشطة المؤسسات التعليمية التي تأخذ بالمحسوبية نهجا في التعيينات، وبيع القبول، والدرجات، والدروس الخصوصية، وبيع المشاريع، والواجبات، والمنح، والبعثات. كما أن الفساد يمكن أن يكون من خلال إهدار الموارد المالية، بتعيينات ليس لها ضرورة، ولتمثيل فوائد خاصة. وقد أثبتت الدراسات أن الفساد الإداري لمؤسسات التعليم العالي أضرار وخيمة على نهضة المجتمع، وبالوضع المالي للمنظومة التعليمية. كما أنه يؤثر بعمق على الجسد الطلابي، وخاصة عندما يتم إشراكهم فيه بشكل مباشر. وبأقل عمق عندما يتم إشراكهم فيه بشكل غير مباشر. وليصبح الفساد مُؤَطَّراً في مستقبل المجتمع.
لقد أشار روميانتسيفا Rumyantseva)) في كتابه عن الفساد في التعليم العالي إلى أن لفساد مؤسسات التعليم العالي تأثيرات اقتصادية تتمثل في ضعف المهارات والدوافع التّعليمية للوصول إلى المهارات المطلوبة لدى الطلبة الأطباء، والمعلمين،وغيرهم ممن يوصفون بالدراسات المهنية والذين يشترون علاماتهم أو شهاداتهم لمزاولة مهنية. إذ يمثلون خطورة عظيمة على المجتمع. وينعكس ذلك على الخسائر الفادحة في الاقتصاد، والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وقد بدأ انتقال التعليم عبر الدول، لا بل عبر القارات، ومتمثلا في الجامعات الخاصة، ووفق النهج الربحي. مما دفع العديد إلى تبني نهجا قد أثر بشكل سلبي على رأس المال الجبان، والعمل على إفساده، مرتبطا بالمصالح الخاصة للأفراد، ودرجة ربحيتهم. وقد نتج عن ذلك تباينا عميقا بين حاجات سوق العمل المتعب، والدفع بأفراد غير ما يحتاجه، ولا يتطلبه. وكانت المنافسة بشكلها الرئيسي مادية بحتة، وقد تكون استغلالا لحاجات الأفراد، ولتنعكس إرباكاته بشكل مُتْ مَحْوِر كشكل من أشكال الفساد في التعليم العالي.
إن مؤسسات التعليم العالي هي في الواقع الافتراضي أسمى وأرقى من أن يتناولها الفساد. لأنها صورة انعكاسية للمجتمع في واقعه، وطموحاته، ومستقبله. فهل ندرك ذلك ونعمل على ذلك، وننظر إلى المستقبل وفقا للقواعد العلمية وفهم الواقع المعاش. أم أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يقبله.
tanash@edu.ju.jo

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)