طلبة نيوز- د. صلاح جرّار

تزداد ثقة المرء بنفسه كلّما نجح في التقليل من حاجته إلى الآخرين واعتماده عليهم، وبخلاف ذلك فإنّ الاستمرار في الاعتماد عليهم يجعله ضعيفاً أمامهم وتزداد ثقته بهم مقابل تراجع ثقته بنفسه، ويتحول تدريجياً إلى عبدٍ ورهينةٍ لهم.
ولعله قد يكتفي بما يوفرونه له من متطلبات العيش غير الكريم، فيستكين لهم ويعفي نفسه من أيّ مجهودٍ لتحسين أوضاعه والارتقاء بأحواله والاستغناء بما يكسبه من جهده وعرق جبينه عنهم.
ولكنّه يستطيع إذا شاء أن يجعل من نفسه شخصاً آخر له ممتلكاته وخصوصياته وحريته، وذلك عندما يحدّد كلّ ما يحتاج إليه في حياته ثمّ يحدّد وسائل الوصول إلى كلّ حاجةٍ من هذه الاحتياجات ويختار أنسبها لطموحه، ثمّ يمضي في توفير هذه الوسائل واستخدامها في تحقيق أهدافه، وكلّما حقّق هدفاً منها ازداد تحرره من قيود الآخرين ومن حاجته إليهم، وازدادت ثقته بنفسه وقدرته على التقدم والتطور والإنتاج.
وما يقال عن الأفراد يقال عن الأمم والشعوب، إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن ترضخ أمة لأخرى تحت ذريعة الحاجة إلى هذه الأخرى في أمورٍ يمكن تحقيقها بسهولة ويسر إذا بذل من أجلها الجهد المطلوب.
إنّ الأمّة العربيّة قادرةٌ بما لديها من إمكانيات بشرية وماليّة وطبيعية ومن موارد وثروات ومقدرات أن تستغني عن أهل الأرض كافّة، وأن تستعيد حريتها وإرادتها وأرضها وأحلامها، لكنّ عليها أن تحدّد كلّ ما تحتاج إليه في سبيل تحقيق هذا الهدف وأن توظف كلّ الطاقات الموجودة لديها بوصفها وسائل لتحقيق أهدافها واحتياجاتها. وأقطع جازماً أنّه عند ذلك لن يعجزها شيء أبداً، لكنّها بحاجة إلى أن تدع الاستكانة جانباً وأن لا تكتفي برعاية الدول الأخرى لها، وأن تلوذ إلى إرادتها وعزمها وهمتها. فمن الذي قال بأنّ العرب ليس عندهم من هو قادرٌ على تطوير الزراعة مثلاً وتحويل الصحراء إلى جنات؟! ومن الذي قال بأنّه ليس عندهم من العلماء من يقدر على تسييج حدود الأوطان بحيث لا يجتازها أي طامع؟! ومن الذي قال بأنّ العرب لا يستطيعون أن يمتلكوا أسرار التكنولوجيا والصناعة في كل المجالات؟!
إنّ العرب يملكون جميع شروط النهضة والتفوق وهم قادرون على أن يجعلوا من أنفسهم خير الأمم وأقواها وأكثرها تقدّماً وعلوماً وحضارة. لكنّهم بحاجة إلى التحرّر من عقدة ضعف الثقة بالنفس، والتمرد على الكسل والاستكانة، وإطلاق العنان لإرادتهم المكبلة منذ عقود طويلة، وتوطين النفس على ضرورة عدم وضع العراقيل في طريق من يريدون العمل.