TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
"الدين جميل والحياة جميلة أيضا !"
29/12/2016 - 8:30am

طلبة نيوز-  د. علي المستريحي

سؤال يدور في رأسي يزعجني. ذلك هو: كيف تحول الدين من جامع لنا لمفرّق بيننا؟ لكني وجدت أن الاجابة على هذا السؤال لا تكون الا بالعودة الى لأصول، أصول الدين، ديننا السمح. لفهم مقاصده والهدف من وجوده أصلا بحياتنا. 

وبالعودة للأصول، نجد من الواضح لدينا أن المشكلة هي ليست بالدين نفسه، ولا بتعاليمه، انما المشكلة فينا نحن. المشكلة بفهمنا الخاطئ للدين، بأحيان كثيرة تكون بغير قصد منا. فالدين الاسلامي أتى لتهذيب النفوس واصلاح الفرد والأسرة والمجتمع، ومن أجل نقل حياتنا من العشوائية الى التنظيم، ومن العبودية الى التحرر ومن الظلم الى العدل. وهكذا فعل في بداياته وهكذا نجح أيضا في بداياته. لكن المؤسف أن يصل فهمنا وتطبيقنا الخاطئ للدين الى هذا التردي الذي نشهده اليوم، مع اعترافنا أن هناك فئات من داخل بيت الدين وخارجه استغلت بدائية تفكير الكثير من الناس وجهلهم، فاخترقتهم واختطفتهم وأسرتهم من خلال خطط ممنهجة محكمة لتعزيز فهمهم الخاطئ لديننا الاسلامي. لذا، ونتيجة لهذا الفهم الخاطئ للكثير من مقاصد الدين الحقيقية، فلا غرابة أن نشهد اليوم تعرض شبابنا لارهاب فكري قبل أن يتحول لارهاب مجتمعي دولي، نتيجة لتعرضهم لما يمكن تسميته بظاهرة التلوث الديني، ظاهرة نمت سواء بقصد أو بغير قصد لضرب أمتنا العربية الاسلامية في صميمها. 

والأصل بالالتزام بالدين والتدين هو لأجل الحياة لا من أجل الموت ! ومن المؤسف أن الكثير من مشايخنا –سامحهم الله- من خلال خطبهم الدعوية يتناولون الموت والآخرة والاكثار من استخدام أساليب التعزيز السلبية بالتخويف والترهيب (والبكاء أحيانا وربما افتعال البعض له أحيانا أخرى)، أكثر بكثير من الدعوة لأن يحيى الفرد ويكون مؤمنا صالحا بحياة مثمرة مفيدة قصدها اعمار الأرض وسعادة الانسان باستخدام أساليب التعزيز الايجابية مثل ما يلقاه الانسان بدنياه كما في آخرته من جزاء وتكريم لعمله الصالح (وفقط باعتبار ذلك نتيجة لعمله الصالح لا مقدمة له) .. ومن المؤسف أن فهم هذه الفئة لفكرة الالتزام بتعاليم الدين ينحصر بكونه وسيلة لتجنب النار أكثر من كونه طريقا لدخول الجنة ! وكأن هذه الدعوة تقول: إن أردت أن تحيى هانئا مطمئنا فعليك أن تموت (وربما تطلب الموت وتسرّعه) ! هذا الربط غير المنصف هو ما أضر بالدين أكثر مما خدمه، ونتج عنه أن ترسّخت بأذهان الكثير من الناس صورة سلبية للدين لأنه أصبح بالنسبة لهم غالبا ما يرتبط بالموت ! فدفعهم ذلك للابتعاد عنه أو التردد بالاقتراب منه ! 

الدين يا سادة لم يأت ليميت الناس بل ليحييهم ويحررهم ويعتقهم .. ومفهوم الجهاد بالدين هو وسيلة لا غاية. وسيلة للدفاع عن الأرض والعرض، وسلاح يستخدم عند الحاجة. هو تضحية فئة من أجل أن يحيى المجموع. هو وسيلة ليحيى الناس بكرامة لا بذلّ وهوان. لذا، فالأصل هو الحياة لا الموت، ولا حتى الجهاد بقصد الموت. فمن الأخطاء الادراكية التي نلمسها اليوم هو تمني البعض أن يموت مجاهدا أشعثا أو مصليا ساجدا أو حاجا طائفا ! مقابل أن يجاهد ويصلي ويحج و .. أيضا يعيش. ما المانع للناس أن تكون لهم الفرصة للعيش بعد الجهاد والصلاة والحج كي يستمروا بالعطاء والتضحية وتأدية الزكاة واشاعة المعروف وعمل الخير واغاثة الملهوف والنهي عن المنكر والمساهمة ببناء المجتمع؟ وهل لسعيهم للموت بقصد الموت "وحده" فائدة لغيره من الناس أو للدين حتى؟ شتان بين هذا الفهم وذاك.

حقا نحن اليوم بأمس الحاجة للعودة للأصول ومراجعة ادراكنا وفهمنا للدين بكثير من جوانبه. فأصل الدين الترغيب لا الترهيب. دليلنا هو عقد مقارنة بين نسبة "الترغيب" في افتاءات الرسول (عليه السلام) ونسبة "الترهيب" في افتاءات بعض مشايخنا، سنجدها حتما كبيرة بالحالتين !! بل وأكثر من ذلك، فنحن بحاجة الى مراجعة موروثنا الديني برمته لتنقيته مما علق به من الشوائب بمرور الزمن وازالة الكثير مما أضيف لهذا الموروث من التشويه وهو بريء منه. هي أيضا دعوة لدعاة التنوير الفكري وأئمة المساجد وأساتذة الشريعة بالمدارس والجامعات أن يضطلعوا بمسؤولياتهم بتوعية النشء وترسيخ القيم السمحة للدين والعقيدة لديهم. فالدين جميل والحياة جميلة أيضا ! والدين والحياة مكملان لبعضهما البعض، يدعّم أحدهما الآخر، وليسوا بديلبن متنافربن متضادبن لا يمكنهما العيش معا تحت سقف واحد ! هي فقط دعوة صادقة لأصحاب الدعوة بعالمنا العربي والاسلامي للتأمل بما نراه هنا .. علنا ننهض مجددا كما كنا أيام "الأصول" !

 
 
 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)