TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الدولة العربية القطرية ... إلى أين ؟
04/01/2017 - 5:30am

طلبة نيوز- د.أحمد بطاح

لقد عرف العرب الدولة أول ما عرفوها في عصر الخلافة الراشدة التي إمتدت لثلاثين سنة تقريباً , وقد توسعت هذه الدولة إلى أن أصبحت دولة إمبراطورية واسعة لأرجاء في عهد الامويين ، ومن ثّم في عهد العباسيين وقد إنتهت هذه الدولة بدخول هولاكو إلى بغداد عام 656 هـ ، وبجانب هاتين الدولتين الإمبراطوريتين ظهرت الدولة الأموية في الأندلس وقد كانت بالتأكيد دولة قوية ومزدهرة حضارياً ولكنها ليست إمبراطورية ، كما ظهرت دول مثيلة لها تاريخياً ولكن ليست إمبراطورية أيضاً كالدولة الفاطمية مثلاً .
ومن الجدير بالذكر إنني هنا لا أتحدث عن الدول الإسلامية كدولة السلاجقة أو دولة المماليك ( البرجية والبحرية ) وإنما أتحدث حصراً عن الدول التي حكمها العنصر العربي فعلاً لا إسمياً .
أما الدولة العربية القطرية فقد ظهرت في أعقاب هزيمة الدول العثمانية في الحرب العثمانية في الحرب العالمية الأولى ( 1914-1918 ) ، وتقاسم الدول الغربية المنتصرة للولايات العربية التي كانت منضوية تحت الحكم العثماني .
لقد بدأ العرب في النضال من أجل إنشاء دولتهم الحديثة منذ عام 1916 عندما فجّر الحسين بن علي   " الثورة العربية الكبرى " متطلعاً إلى إلى إنشاء دولة عربية حديثة في آسيا العربية لكنه لم يوفّق لأن الدول الغربية ( بالذات بريطانيا , وفرنسا ) خذلته وإقتسمت الولايات العربية فيما بينها من خلال إتفاقية  " سايكس بيكو " (1916م) .
لقد ظهرت الدولة العربية القطرية فعلياً بعد فترة من النضال ضد الإستعمار الجديد ( البريطاني والفرنسي ) والذي إمتد ما يقارب العشرين سنة تقريباً ( نهاية الحرب العالمية الأولى – إلى منتصف الأربعينات ) حيث إستقلت سوريا ، والأردن ، ولبنان ، والعراق ، ومصر وشكلت الجامعة العربية في عام 1945م ، وقد إستكملت معظم الدول العربية إستقلالها مع نهاية الخمسينات وبداية الستينات باستثناء فلسطين التي وقعت فريسة للعدوان الصهيوني ، وباستثناء بعض الدول العربية التي ظهرت متأخرة ككيانات سياسية مع بداية السبعينات كقطر ، والبحرين ، والإمرات العربية المتحة .إن الملاحظة الجديرة بالذكر في هذا السياق هي أن معظم الدول العربية لم تستقل إستقلالاً فعلياً عن القوى الغربية وإنما ظلت محكومة بنفوذ الدول المستعمرة بشكل أو بأخر ( بل إنّه تمثّل أحياناً بوجود قواعد ، وقوات عسكرية ) ، ولكن يمكن القول بشكل عام بأن الدولة العربية القطرية قد إستقلت إلى حد كبير منذ سبعينات القرن الماضي ، ومن هنا تأتي أهمية تقسييم هذه المرحلة ،  وطرح السؤال المحوري الذي عُنونت هذه المقولة به وهو : الدول العربية القطرية ....إلى أين ؟ هل نجحت هذه الدول فيما وجدت من أجله ؟ هل لها مستقبل في ضوء تطلعات شعوبها وطموحات أبنائها ؟ وفي ظل عدد الكيانات والتكتلات الكبرى ؟ 
لقد أمل العرب مع نشوء ولتهم القطرية أن تكون هذه الدولة نواة للدولة العربية الكبيرة الواحدة ( على غرار الدولة العربية المتحدة مثلاً ) ، ولكنّ الذي حصل هي أن ، الدول العربية القطرية بالغت في قطريتها ، وأصبحت معينة بتكريس كيانها أكثر ما هي معيينة بالتوحد مع الدول العربية الأخرى وصولاً إلى الدولة العربية الكبرى المنشودة . صحيح أنه كانت هناك محاولات للوحدة كما حصل بالنسبة للجمهورية العربية المتحدة ( مصر ، وسوريا بين عام 1958-1961 ) ، والأتحاد المغاربي ، والوحدة اليمنية ، والإتحاد الهاشمي ( الأردن والعراق ) ، ومجلس التعاون العربي ، ولكنها جميعاً وللأسف باءت بالفشل لأنها كانت غير مدروسة ، ولم تكن وراءها نية مخلصة في إنجاز الوحدة في كثير من الأحيان ، ففضلاً عن تآمر الدول الإستعمارية وقوى التخلف التي لا تجد لها مصلحة في الوحدة داخل الدول نفسها .
إنّ مما لا شك فيه أن مشروعية الدولة العربية القطرية سوف تظل مثلومة  في نظر المواطن العربي إن لم تسعى إلى التوحد مع الدول العربية الأخرى ، ذلك إنّ الإنسان العربي  ظل يشعر على الدوام بأنّ هذه الدولة القطرية ليست هدفه النهائي ، وإنما هي خطوة على طريق الوحدة . ولكن ماذا عن أبعاد النجاح الأخرى ؟ هل نجحت الدولة العربية القطرية في تأسيس كيانات حداثية عصرية تنتمي للإنسان والمجتمع وتحافظ على حدود البلاد ومقدرتها ؟
إنّ الإجابة على هذا السؤال سلبية أيضاً فقد شهدنا خلال الحقبة السابقة ضياع حدود عربية كثيرة وإحتلال أجزاء غير قليلة من الأوطان العربية ، بل وقد زاد الأمر سوءاً ما حدث من تداعيات لما سُمي بالربيع العربي حيث وصلت بعض الدول العربية إلى حدود الحرب الأهلية كما يحصل الآن في سوريا ، والعراق ، وليبيا ، واليمن ، وبغض النظر عّما يمكن أن يكون هناك من تآمر من قبل القوى الكبرى وإسرائيل ، فإنّ الحقيقة تظل قائمة وصادمة حيث أن الدول العربية القطرية لم تستطع أن تبني نظاماً عصرياً ، وديموقراطياً ، يرمي إلى تنمية المواطن والمجتمع ويخطط لا لتأبيد الكيان القطري ( لأنه كما أثبتنا لا متستقبل له على المدى البعيد ) ، وإنما للتواصل مع الدول العربية القطرية الأخرى وصولاً إلى كيان عربي واحد قوي ، وديموقراطي يمثّل آمال الأمة وتطلعاتها . 
إن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : ولكن كيف ؟ ما الذي يجب أن تفعله الدولة العربية القطرية لكي تنجز الأهداف السابقة الذكر ؟ إن هناك جملة سياسات لا بّد للدولة العربية القطرية أن تأخذ بها إذا أرادت أن تخرج من " قدرها " (القطري) الصعب ولعلّ أهمها : 
1- التخلص من النفوذ الغربي ، إذْ من المعروف أن هناك سياسة غربية ثابتة – وإن لم تكن مكتوبة – تقضي بعدم السماح بظهور أية قوة عربية كبيرة . حدث ذلك عندما حاول محمد علي باشا بناء مصر الحديثة ، وكذلك عندما حاول عبد الناصر ، وأخيراً عندما حاول صدام حسين . لقد حاول هاؤلاء القادة – وبغض النظر عن أساليب حكمهم وبعض قراراتهم الخاطئة – تأسيس دولة قوية غير تابعة وبحيث تكون نواة لقوة عربية أكبر ، ولكن القوى الغربية  ( ومع إختلاف الزمان والمكان ) ضربتهم وحجمت قوتهم .
2- تطوير أنظمة سياسية ديموقراطية قائمة على المشاركة والمواطنة ، ولعلّ مآلات أنظمة الإستبداد في العالم العربي تبين بوضوح النتائج الكارثية التي وصلت إليها ، ويمكن إعتبار ليبيا ، وسوريا ، واليمن هي أوضح الأمثلة التي تبين أن الفساد هو قرين للإستبداد ، وأن النتيجة المنطقية لهما هو الدمار الذاتي للدولة والمجتمع .
3- توجيه النظام التعليمي في الدولة العربية القطرية بحيث يركز على إنتماء الفرد لأمته لا لوطنه الصغير ، وبحيث يعظّم لديه درجة الوعي بتاريخ الأمة ، وواقعها ، وآمالها المستقبلية في الوحدة ، والتطور ، والمنعة .
4- الأنطلاق من فكره التدرج في الإنتقال من الدولة العربية القطرية إلى الدولة العربية الكبرى مع البناء على الدولة القطرية كأساس .
لقد ثبت بالتجربة أنّ التسرع في تحقيق الوحدة يؤدي إلى فشلها ، وإذا تذكرنا أنه قد مّر زمن غير قليل على تأسيس الدولة القطرية جهدت فيه لتجذير نفسها وتمكين كيانها ، فإنّ من غير المعقول القفز فوق هذا الواقع . إنّ ما يجب أن يكون هو البناء على هذا الواقع وتطويره وصولاً إلى المطلوب . إنّ التعاون والتكامل ( وبالذات الإقتصادي منه ) يمكن أن يكون مدخلاً مناسباً لتحقيق الوحدة ولو بين بعض الأقطار العربية آخذين بعين الإعتبار أن مسألة الوحدة مسألة شائكة وتحتاج إلى إعداد جيد ، ونضال مستمر ، وإيمان لا يتزعزع بالقضية .  

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)