TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الخطب الارتجاليّة
30/12/2016 - 4:45pm

طلبة نيوز- د.صلاح جرار 

قال لي الدكتور عبد الكريم غرايبة–رحمه الله تعالى- ذات مرّة إنّه لا يليق بالمسؤول–أي مسؤول–أن يرتجل خطبة أو كلمة في أيّ مناسبة رسميّة، فالأصل أن يعدّ كلمته إعداداً جيّداً ودقيقاً ومدروساً بحيث يكون متيقّناً من كلّ كلمة يقولها في تلك المناسبة، ولا سيّما أنّه يكون يعلم مسبقاً بموعد المناسبة ودوره في تلك المناسبة، وأنّ أيّ كلمة تخرج على لسانه فإنه يتحمل مسؤوليتها كاملة، لأنّه في موقع المسؤولية.

وأنا أضيف إلى ذلك أن مشاركة المسؤول –صغيراً كان أو كبيراً- في أي مقابلة إذاعية أو تلفزيونية أو صحفية يجب أن تخضع للشرط نفسه، أي أن تكون مكتوبة –في أصلها- وأن تكون معدّة إعداداً دقيقاً بحيث لا يقبل نصّها أيّ تأويل غير ما يريده المتحدث. 

أقول ذلك وأنا أشاهد وأسمع المسؤولين العرب من مختلف المستويات يتهافتون إلى المنابر والأضواء ويطلقون ألسنتهم دون أيّ رابط أو ضابط وأحياناً دون تحرّز ممّا يقولونه، ممّا يحمّلهم مسؤوليات كثيرة أمام مستمعيهم ومشاهديهم وشعوبهم الذين يشاهدونهم أو يسمعونهم، ولا يخفى ما للاهتمام بإعداد الخطبة أو الكلمة من أهميّة، لأنّ المسؤول، وهو يتحدث، يمثل مجتمعه ووطنه الذي ينتمي إليه، فكلّما كان متسقاً ومنضبطاً ودقيقاً في كلامه وعبارته وأفكاره، كلّما أعطى صورة إيجابية عن الوطن الذي ينتمي إليه، أمّا إذا بدا ثرثاراً غير منضبط ولا متوازن فإنه بذلك يسيء لمجتمعه ولوطنه ولسمعته.

وليس هناك ما يمنع أيّ متحدث من الارتجال في المواقف المختلفة، ولكن في المناسبات غير الرسميّة، كأن تكون مناسبة اجتماعية أو أمسية أدبية أو لقاءات عفوية. وقد كان الناس قديماً وما زالوا يمتدحون من يقدر على ارتجال الكلام والخطب إذا عرض له موقف مفاجئ أو طلب منه أن يقول كلمة وهو غير مستعدٍّ لها. وهذا اللون من الارتجال محمود لأنه يدلّ على نباهة وفطنةٍ ولَسَنٍ وسعة اطّلاع وكثرة قراءة ومطالعة، إلاّ أنّ هذا الارتجال مهما كان بليغاً ومهما أصاب هدفه إلاّ أنّه لا يليق بالمسؤول في المواقف والمناسبات الرسميّة أو شبه الرسميّة، تماماً كما لا يليق بالمسؤول أن يشوب كلمته أو خطبته أيّ انفعال واضح أو أن تكون بالعاميّة، فكلّما كانت الكلمة معدّة إعداداً دقيقاً وكانت بلغة فصيحة وعبارات بليغة، وكانت تخلو من الانفعال الذي يجافي المنطق، كانت أكثر تقبّلاً من المشاهدين أو المستمعين وأكثر تعبيراً عن شخصية قائلها وقد يكون الاختصار في القول أدلّ على ثقة المسؤول بنفسه وبما يقوله.

أمّا الخطابات والكلمات التي تطول كثيراً وتكون مرتجلة ويلجأ فيها المسؤول إلى العاميّة وإظهار الانفعالات، فإنّ تأثيرها في الغالب محدود وقصير المدى، ولا تحظى بما يليق من الاحترام والتصديق والثقة، ولا يؤمن وقوع صاحبها في أخطاء كثيرة ومزالق لسانيّة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)