طلبة نيوز- ا.د نضال يونس

ربما لم يكن السؤال عن دور الجامعات الاردنية فى تحفيز الاقتصاد ودعم النمو الاقتصادى الاردني مطروحا فى أى وقت مضى بنفس الأهمية والزخم التى يبدو عليها فى الوقت الحالي، وذلك لاعتبارات عديدة: منها أن التعليم العالي الاردني بدأ عقده السادس منذ انشاء الجامعة الاردنية دون أن تظهر مؤشرات كافية يمكن الحديث معها عن إمكانية اضطلاعها بدورها فى خدمة المجتمع الاردني و تحقيق التنمية المستدامة منذ انطلاقة التعليم العالي عام 1962. وربما تعكس التصريحات التى يطلقها رؤساء الجامعات الاردنية بضرورة رفع مخصصات الدعم المالي للجامعات الرسمية التى بات بعضها لا يجد رواتب العاملين فيها مع نهاية كل شهر- حجم التحدي الاكبر وطبيعة الإشكاليات التى باتت تواجه الجامعات الرسمة فى المرحلة الحالية مقارنة بمراحل تاريخية أخرى، لاسيما بعد أن تركت الجامعات الاردنية لتعالج قضاياها المالية بنفسها...

كثيرون تعرضوا لموضوع النمو الاقتصادى وعلاقته بتوفر الموارد الطبيعية والعمالة المؤهلة والمدربة، والمعرفة والخبرة، والعوامل المتعلقة بقوة السوق وضعفه، وقضايا العرض والطلب والقدرة على تصدير المنتجات والخدمات وانشاء المصانع وتعظيم القيمة المضافىة للمنتجات الصناعية، ولكن كل هذه العوامل اذا لم يصاحبها "انتاج وتصنيع للتكنولوجيا" التى تلعب فيها الجامعات والمؤسسات البحثية الدورالرئيسي ، فان ذلك كله لن يحقق التنمية الاقتصادية بمفهومها الشامل المرتبط بالاستدامة وبالتنمية الاجتماعية وخلق فرص عمل جديدة وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي الذى تسعى الدول لتوفيره لشعوبها...

حينما تسمع عن الانجازات والمعجزات التى تحققها جامعة ما يخال اليك اننا اصبحنا على وشك احداث الانشطار النووى او اطلاق مسبار فضائي لاكتشاف الاجرام السماوية، اواننا سنصل بمعجزاتنا الى مرحلة صناعة النانو او MEMs أو تغيير ذرة الليثيوم فى بطاريات السيارات الكهربائية، والحقيقة ان معظم هذه الانجازات "سراب بقيعه" يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده، ووجد بدلا منه انجازات قائمة على التقليد والتبعية وشراء الخدمات، والأهم من ذلك ان ثقافة جامعاتنا ما تزال موغلة بالجهل باسباب التقدم وأدواته، وعوامل امتلاك القوة ومفرداتها التى تقوم على الكفاءة والاهلية وتقدير التفوق واحترام الفكر والعمل بروح الفريق، بدلا من ثقافة التوازنات، والخضوع للضغوطات وتنزيه القيادات الاكاديمية واعطاءها هالة علمية وادارية ربما لا تستحقها!!

طبعا لا يمكن الحديث عن دور الجامعات فى احداث التنمية المستدامة والشاملة فى غياب الفكر الخلاق المبدع والاستقرار الامني؛ وهما من المتطلبات التي لا يمكن أن تتوفر او تُشترى بالأموال مهما كانت الدولة غنية، الفكر الخلاق يصنعه الافراد المبدعون فى بيئة علمية وبحثية "محفزة" ياتي على رأسها الاستقرار الامني والسياسي، وهنا يبر التساؤل الثاني عن دور الجامعات والمؤسسات العلمية فى اثراء فكر الابداع والابتكار والريادة خصوصا واننا تميزنا عمن حولنا فى الحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار السياسي بفضل القيادة الحكيمة للملك عبد الله الثاني، الذي واصل البناء على الانجازات التي تحققت منذ انشاء الدولة الاردنية، وساهم فيها شعب مخلص ووفي، حتى غدا الاردن بلدا مستقرا ومتميزا على مستوى المنطقة والإقليم لا بل من أكثرها تأثيرا على الساحة الدولية.

صعوبات اقتصادية كثيرة استطاع الأردن تجاوزها منذ عام 2008، عقب الأزمة المالية العالمية، وبعدها الربيع العربي وتداعيات الأزمة السورية والعراقية على اقتصاد المملكة، وما ترتب من تاثير ذلك كله على الدخل السياحي وتراجع مستوى الاستثمارات الأجنبية، ومع ذلك حقق الاردن معدلات نمو مقبولة نسبيا فى ظل هذه المعطيات الصعبه، ولكن اين مساهمة الجامعات والمؤسسات البحثية والتقنية، ولماذا لا تقوم هي الاخرى بدورها فى صناعة التكنولوجيا والابتكار والريادة, وتوجيه البحث العلمي لحل مشاكل المجتمع وتشجيع حواضن الاعمال الصناعية، والشركات المبتدأة التى تسهم خلق فرص عمل للمواطنين الاردنين ، لماذا لا تقوم الجامعات ببناء الحدائق الصناعية ودعمها بالافكار والطاقات الشبابية المؤثرة أسوة بدول العالم المتطورة التى شكلت الجامعات فيها نواة النهضة العلمية والصناعية والتكنولوجية؟

لا أعتقد أن ما تركز عليه جامعاتنا فى مجال التعليم والتدريس ومنح الشهادات يكفي للمشاركة فى بناء الاقتصاد الوطني والمساهمة في خلق مناخ نهضوى عام، ما لم تكن هناك ركائز أساسية تجعل مثلاً الابتكار والاختراع والبحث التطبيقي والتصنيع وتقديرالفكر و المبدعين ثقافة وممارسة يومية فى اروقة الحرم الجامعي..