TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم والوعد
23/11/2017 - 6:15pm

الأستاذ الدكتور سلامه يوسف طناش
التعليم والتعلم يرتقيان بالطموح، ومنظومة القيم، وهما جوهر الحياة.ولا يمكن لمجتمع أن يرتقي في جميع مناحي الحياة بدونهما، وضمن الإطار العام للتربية. وذلك فيما إذا تم توظيف كل الامكانات المتوفرة وفق رؤية رشيدة مخلصة لوطنها،وللنهوض بالاقتصاد من خلال التعلم الحقيقي، وغرس منظومة القيم الإيجابية.
لقد أدركت العديد من الدول النامية ومنذ خمسينيات القرن الماضي بأن التعليم هو الطريق الأمثل لتنهض باقتصادياتها المتعبة. لذلك ركزت على إصلاح نظامها التربوي، والتعليمي، فاستثمرت في إيجاد أنظمة مدرسية متقدمة، ومؤسسات تعليمية عليا، وألزمت نفسها بتعليم كل الاطفال والشباب، والوصول بهم إلى تعلم متميز. وقد تطلب ذلك وجود حكومة ذكية، ومبدعة، مرتكزة إلى سياسات واضحة، وقادرة على إلزام القطاع الخاص بأنشطة وطنية. لذا كان ناتج هذا الاستثمار والتركيز على التعليم: متميزا.
ولا شك بأن تلك الدول تفخر اليوم بتحقيقها مراكز متقدمة في التعليم ومحو الأمية، وطلابها الصغار والكبار يتربعون على مراكز متقدمة في الامتحانات الدولية، وليكون نظامها التعليمي ( سنغافورة، كوريا الجنوبية) من أفضل نظم التعليم العالمية. كل ذلك انعكس بشكل ايجابي على الفرد والمجتمع، وبناء اقتصاديات متنوعة ومتقدمة، وتمثَل ذلك في ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، ولينعكس ذلك بدوره على الأفراد،والحياة وقيمها، والأمن الاجتماعي.
إن الدول التي تقدم تعليما متميزا تدفع بتعزيز رأس مالها البشري، الممتلك للمعرفة والمهارات، والمزود بالتدريب؛ وليصبح قادرا على المساهمة الفاعلة في اقتصادها، وتقدير قيمة العمل، والرقي بمجتمعها في جميع مناحي الحياة، وتشكيل قيم المواطنة الصالحة. إذ بدون التعليم وتميز عمليات التعلم لا يمكن لأي مجتمع أن يفتح آفاقا جديدة للمستقبل. فهو يؤدي إلى النمو الاقتصادي، ويحفز على الإبداع، ويعزز التماسك الاجتماعي.
كما أن التعليم الذي يقدم تعلما متميزا يساعد على التخلص من الفقر المدقع، وللوصول إلى الازدهار والرخاء الاجتماعي، والأمن والسلم. كيف لا وطلبة اليوم هم مواطنو الغد، وقادته، وعماله، وهم آباء المستقبل. وبكل تأكيد هو الاستثمار الأمثل للقوى البشرية، وهو رأس المال الثابت، والرصيد المستمر، والباقي في المجتمع.
ولكن توفير التعليم وحده وبصيغه الحالية ليس كافيا. والشيء الأهم هو التعلم الذي يكسب الطلبة المعارف، والمهارات، والسلوكيات المنشودة. إذ من المؤكد أن الذهاب للمدرسة بدون التعلم إنما هو مضيعة للوقت، وهدر للأموال ولرأس المال البشري الواعد. وخاصة عندما يكون التعليم متحيزا، وسيئا، وذلك كمظهرمن مظاهر عدم قدرة مؤسساته في تحقق العدالة.
العدالة كمعنى يتجلى في تقديم تعليم نوعي لجميع أفراد المجتمع. إذ بدون التعلم سيتم إغراق حياة الطلبة بالجهل، والفقر، والاستبعاد، وخاصة لمن يأتون من طبقات اجتماعية فقيرة. وهم في الحقيقة الأكثر حاجة لتعلم متميز، يأخذ بأيديهم نحو آفاق مستقبلية، وليستطيعوا النجاح في حياتهم. كما وأن الظروف التعليمية وبيئتها هي دائما أسوأ بكثير للأقل حظا في المجتمع، وبالتالي نتائج التعلم وانعكاسات التعليم. وهذا الأمر يشكل خطرا على المجتمع في جميع مناحي الحياة، الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والروحية، والسياسية، ومفهوم المواطنه؛ مما يحتاج إلى معالجة حثيثة وبدون تأخير، للنهوض بالمجتمع.
إن الفشل التعليمي– وبكل مستوياته - ينعكس من خلال عدم القدرة على التعلم، وعادة يشير إلى الفشل الأخلاقي، وإلى فشل عميق في النظام التربوي. إذ الخسارة الكبيرة هي في خسارة القوى البشرية، غير المعدة لخدمة الاقتصاد ومواءمته بشكل مناسب. فكيف تكون الأمور مع التغير التكنولوجي السريع الداعم للاقتصاد. إذ إن الاقتصاد المستقبلي يحتاج فيه العاملون إلى تملك أساسيات مهاراتية في الكمبيوتر، وتقنيات تكنولوجية تتغير بشكل سريع ومتسارع، وكذلكالقدرة على التأقلم، والإبداع، والتعلم مدى الحياة.
وفهم التعلم الواعد لا يعني الذهاب للمدرسة فقط، بل يعني التأكيد على التعلم المتميز. وهذا الأمر يعني التزام النظام التعليمي بالتركيز على الأهداف العامة للتربية، وبكل اشكالها، ومفاهيمها، وكذلك بقياس الأهداف الخاصة لها من خلال التعرف إلى درجة التعلم المتحققة. كما على النظام التعليمي أن يعمل وفق منهج علمي مدروس لجعل المدرسة تعمل بجدية نحو التعلم، مما يتطلب بيئة جاذبة للطلبة، ومعلمين، ومدربين، وأساتذة معدين وفق منحى شمولي، وليكونوا قادرين على التواصل بفاعلية، وتحقيق الأهداف المقاسة بشكل واقعي وحقيقي.
وأخيرا لابد من أن يتم تأطير النظام التربوي والتعليمي وفق رؤى مدروسة وبكل مستوياته ليكون جميع من يعمل ضمنه مدركا وساعيا للعمل على تحقيق التعلم ، وأن يكونوا أكثر قدرة على وعي للمشكلات التي تواجههم، ووفق الإمكانيات المتاحة فعليا، وبواقعية لايجاد الحلول المناسبة لها.
tanash@ju.edu.jo

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)