TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
البروفيسور سلامة طناش يكتب " الفساد في التعليم "
14/05/2017 - 12:15pm

الفساد في التعليم
الأستاذ الدكتور سلامه يوسف طناش
التعليم الأساسي حق لكل فرد، ضمنته كل دساتير العالم. ويسعي هذا التعليم إلى تشكيل الفرد الإنسان المواطن القادر على المشاركة الفاعلة في مجتمعه، وذلك للمساهمة في التنمية المجتمعية العامة. وأن يكون مواطنا منتميا قادرا على خدمة وطنه بإخلاص وأمانة. ومن هنا، فإن على التعليم أن يمتلك الأدوات اللازمة، والأطر الفلسفية والفكرية، والمنهجية السليمة لتتمكن التربية والتعليم من تحقيق أهدافها المعلنة، وللوصول بالفرد لكي يعيش في مجتمعة بكرامه.
كما ويشكل التعليم مدخلا مهما لتطوير القيم الاجتماعية، والمواطنة. وهذا الأمر لا يتم فقط من خلال المنهاج المعلن، بل ومن خلال ما يعرف بالمنهاج الخفي، الذي يلعب دورا مهما في تشكيل القيم الاجتماعية، والمواطنة الصالحة، وذلك ضمن ما يعيشه الفرد ويتعرض له من سلوكيات وخبرات في مؤسسات التعليم، والمجتمع.
ويعتبر موضوع الفساد في التعليم من الموضوعات التي قلما تم النظر إليها باعتباره مدخلا للفساد الاجتماعي. إذ يعتبره المجتمع موضوعا يصعب أن يكون للفساد فيه موطنا، كونه مسؤولية اجتماعية ترتبط بكل أسرة، وبكل فرد. وكذلك باعتباره ذي قيمة إنسانية ترتبط بأشخاص في مواقع متقدمة طالما نظر المجتمع إليهم بعين الاحترام والتقدير. ولكن مع التغيرات الاقتصادية، والثقافية، والفكرية، والسياسية، وظهور مساحات واسعة من الأطر المادية، وشيوع ثقافات ممتدة، وغريبة، وتسيّد فئات متصارعة على هذه الأبعاد المادية، دون الروحية والقيميّة. إذ بدأت مؤشرات عديدة تظهر بين الحين والآخر لتشير ولو بخجل إلى وجود فساد قد يكون ظاهرا، واضحا للعامة من الناس، فكيف هو الأمر بالنسبة للمتخصصين، المتابعين لشؤونه بأمانة ووطنية.
لقد أشارت منظمة الشفافية الدولية إلى أن الفساد: هو إساءة استخدام سلطة معهودة بالمرء من أجل تحقيق مكسب خاص. وقد يكون هذا المكسب ماديا، أو معنويا. مباشرا أو غير مباشر. ويمكن أن يشمل الفساد في المؤسسة التربوية التعليمية مسائل رئيسة كالمنهاج، والمشتريات، والتجهيزات، والإنشاءات، والرشوة، والمحسوبية في تعيينات المعلمين، والترقيات الإدارية، والإشرافية. ومن أشكال الفساد في التعليم كذلك ما يعرف بإساءة استخدام المنح، وإدارتها. إذ يتم التلاعب بها بحيث لا تعود على المؤسسة التربوية التعليمية باي فائدة. كما وأن التعليم الخصوصي هو مؤشر إلى فساد التعليم العام من خلال عدم قدرته على تقديم تعليم نوعي ومناسب للطلبة في جميع أماكنهم، ومختلف تصنيفهم الطبقي.
إنّ خطورة الفساد وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي تكمن وبشكل مقلق في تبني وممارسة سلوكيات فاسدة فيما يتمثل ذلك للوصول وتحقيق التعليم المناسب، والانتقال لاحقا للمجتمع. وليصبح بعد ذلك معيارا مجتمعيا، ولتبدأ دورته من جديد ومع كل جيل وجيل. وبالتالي يصبح الفساد سمة أساسية للتقدم وللوصول لما يُبتغى. ومن هنا، فإن هناك حاجة للتوصل إلى فهم أفضل للتربية والتعليم كأداة ضرورية في حد ذاتها لمحاربة الفساد، وليس للمشاركة فيه. ويتجلى هذا الأمر في صياغة المنظومة القيمية، والدورالاجتماعي، والقيمة الفضلى لمفهوم مؤسسات التعليم، والمعلم ليكونا في قمة أولويات السياسات التعليمية، ووضع الاجراءات العملية لتحقيق ذلك.
ويمكن القول بأن المعلم هو الهدف الأول لمزاعم الفساد. فهو الشماعة التي طالما علقت عليها كل أسباب الفشل التعليميي. وهو كبش الفداء للتعليم هنا وهناك. وهذا الزعم غير دقيق وبعيد عن الحقيقة والصواب. فالحقيقة هي: أن الفساد عادة ما يكون في أعلى المستويات الإدارية. إذ من يختار المعلم، ومن يدربه، ومن يتابع انجازاته وقدراته على تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة. إنها الإدارة العليا. كما أنها من يتابع البنية التحتية، والتجهيزات، والبرامج. فهل تمت هذه الأمور وفق رؤى صحيحة، وسليمة؟ إذ إن المعلم في الحقيقة والواقع هو: النموذج الذي القدوة، ومرتكزا قيميّا يفترض أن يتبوأ مكانة اجتماعية، تليق به، وبمجتمعه. وهو لا يعمل في فراغ إذ كل المكونات لها أدوارها في التعليم للوصول به إلى الجودة المنشودة.
والمدرسة هي صورة للمجتمع. وهي المثال والانعكاس والقدوة له. وبالتالي فإن توفير تعليم ذي جودة عالية لهو في غاية الأهمية للارتقاء بالمجتمع. والجودة العالية في التعليم الأساسي يجب أن تكون في كل المدارس، ولا تقتصر على مدارس بعينها، لأن المجتمع كل متكامل. أما عندما يكون التعليم النوعي لفئة محدودة دون المجتمع، فإن ذلك يكون مؤشرا لفساد تعليمي يطال عادة ما يطلق عليها الفئات المهمشة في المجتمع.
إن ما يتم مشاهدته في كثير من الاحيان في عدم قدرة المدرسة على تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة، إنما يكون انعكاس لفساد في رسم السياسات التربوية والتعليمية. وهو مؤشر إلى أن متخذ القرار لا يمارس أدواره أو قد لا يكون على معرفة بها. وهنا نقول بأنه لا يمتلك رؤيا للعملية التعليمية، أو يمارس اجندات لا تتوافق مع طبيعة وأحلام المجتمع.
والانفاق على التعليم، وحسن إدارته يحتاج إلى تحديد أولويات ذلك الإنفاق. إذ بدون ذلك فقد يتداخل الفساد مع عدم الكفاءة الإدارية لشؤون التعليم. فطالما تم النظر إلى كثير من القرارات باعتبارها انفاقات تتسم بالفساد، وأن مردودها ليس تعليمي، وليس له صلة بالتربية، أو حوكمة التعليم. فتطوير التعليم وتحسينه يبدأ من مكونات العملية التربوية التعليمية، وبكل مدخلاتها. إذ إن تحديد أولويات الانفاق على التعليم يعمل كمؤشر لتخفيض حجم الاهدار، خاصة عندما تكون الأموال محدودة. وليتم بعد ذلك تطوير الاجراءات لتكون عملية علمية، وليست شكلية غير تامة، لا يرجى منها تعزيز القدرة على تحقيق الاهداف.
وعملية التّصدي للفساد في التعليم هو أمر في غاية التعقيد. وهو مسؤولية اجتماعية. إذ يستطيع المجتمع من خلالها أن يدرك حقوقه. وهكذا فإن المحاسبية يجب أن لا تبنى على النتائج فقط، بل لا بد من اجراءات استباقية مدروسة في تحليل علمي نزيه لمعطيات أي قرار إداري يتعلق بالتعليم ومكوناته.
إن الاطار القانوني لمحاربة الفساد في التعليم هو أمر وطني. وهو أمر يجب الإلتزام به بشكل حقيقي. ويرتبط ذلك بالشفافية، والثقة في اتباع اجراءات وآليات للمحاسبة وبشكل قوي. وهذا يتطلب إعلام قوي ووطني ومستقل، وغير مرهون وفق معطيات شخصية أنانية، ملؤها النفاق، ولتضليل الجهل المدفون فيها. إن الفساد في التعليم يمكن تناوله لاحقا ووفق معطيات جزئية، وضمن مكوناته الشمولية. وبشكل عام تتشكل مظاهر الفساد في التعليم وذلك من خلال عدم قدرته على التحقيق الفعلي للأهداف التي تم تدوينها ضمن الدستور، وقانون التربية والتعليم.
tanash@ju.edu.jo

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)