TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
البحوث العلمية في الأكاديميا العربية:هل هي ذات قيمة حقا؟
19/11/2016 - 9:30pm

البحوث في الأكاديميا العربية : هل هي ذات قيمة حقاً؟
طلبة نيوز

د. أحمد بطّاح

من المعروف أن الجامعات تقوم بدور حيوي في المجتمعات، فهي منارات فكرية تطرح الأفكار و تقدّم الرؤى و تستشرف المستقبل, وقد أجمع المختصون في المجال الأكاديمي على أن هنالك ثلاث وظائف للجامعات هي : التدريس، والبحث العلمي ، وخدمة المجتمع، والسؤال المطروح هنا هو : أين مكانة البحوث العلمية في الأكاديميا العربية ( وبالذات في الجامعات ) ؟

إنّ الإجابة السريعة و المؤكدة في آنٍ واحد هي أنّ قيمة البحوث العلمية في الجامعات العربية متواضعة حقاً، والدليل على ذلك هو ان الجامعات العربية التي يكاد عددها يصل إلى ثلاثمائة (300) لم تنتج حتى الأن ايّ مُخترع جديد يحدث فرقاً في حياة البشرية في ايّ من المجالات : الإقتصادية، أو الإجتماعية، أو السياسية على غرار ما تنتجه الجامعات المرموقة في العالم كـ جامعة هارفارد أو معهد مساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أو إكسفورد أو غيرها.

وإذا إستعرضنا اسماء من نالوا جائزة نوبل من العرب في المجالات المختلفة (عدا السياسية) منذ إنشائها فلا نجد سوى إسم الروائي العربي الشهير نجيب محفوظ والذي تخّرج من جامعة القاهرة و بالإضافة إلى ما سبق فإنّ معياراً اخر يمكن أن يُستخدم في قياس قيمة البحوث الأكاديمية و هو هل كان لهذه البحوث أيّ دور حقيقي في حلّ المشكلات (بكافة أنواعها) التي تواجهها المجتمعات العربية؟ هل ساهمت هذه البحوث في حلّ مشكلات الطاقة في بعض الدول العربية كالأردن مثلاً؟

هل ساهمت هذه البحوث في حلّ مشكلة الفقر في اليمن مثلاً؟ هل ساهمت هذه البحوث في حلّ مشكلة التصحر في مصر مثلاً؟ إنّ الإجابة على جميع هذه التساؤلات وغيرها كثير هي بالسلب، وإن كان هذا لا ينفي بالطبع أنّ هنالك عدداً من البحوث المبعثرة هنا او هناك والتي كان لها نوع من الأثر في التغلب على بعض المشكلات المجتمعية العربية.

ولكن ما الأسباب ؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الأسباب و العوامل وصولاً إلى بيئات بحثية ليكون لها دور علمي رصين و وازن في التعامل مع المشكلات في المجتمع العربي و قضاياه ؟

إنّ السبب الأول و الأهم ربما هو ان الجامعات العربية إنشغلت بوظفية التدريس و إعتبرتها مهمتها الأولى و اغفلت إلى حدٍ كبير الوظيفة الثانية وهي البحث العلمي، وقد يكون المبّرر – ولو تاريخياً على الأقل – هو أنّ الدول العربية كانت في حاجة إلى كوادر مؤهلة و مدّربة لبناء كياناتها التي إستقلت حديثاً، وقد يكون السبب أيضاً هو ان البحث العلمي عمل جاد و يحتاج إلى مهارات علمية معينة ليست متوفرة بالمستوى الجيد لدى كثير من أعضاء هيئة التدرس و طلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية. و بالإضافة إلى هذين السببين الآنفي الذكر فإّن هنالك اسباباً أخرى قد لا تقل أهمية مثل عدم توفر الإمكانيات لتمويل البحث العلمي، وعدم التعود على عمل الفريق (Team Work) في المجال البحثي، و غياب سياسات وطنية للبحث تكون بمثابة موجهات للبحث العلمي، فضلاً عن عدم مناسبة أنظمة الترقيات الأكاديمية التي تركز في كثير من الأحيان على " كم " الأبحاث و ليس على " نوعيتها " ، و الواقع الذي لا بدّ من الإعتراف به هو أن معظم الأبحاث التي ينجزها أعضاء هيئة التدريس في الجامعات العربية مكرّسة لغايات الترقية، كما أنّ معظم الرسائل و الأطروحات الجامعية التي يكتبها طلبة الماجستير و الدكتوراة مكرسة لنيل الشهادات العليا، امّا المراكز البحثية المتخصصة في العالم العربي فهي قليلة، أو غير معنّية بإنتاج بحوث ذات قيمة حقاً. إن تجاوز هذا الواقع البحثي المرير يحتاج أولاً و قبل كل شيء إلى إدراك قيمة البحث العلمي و أهميته في حياة المجتمعات، ليس فقط من قبل الباحثين المختصين، وإنما من قبل المسؤولين وصنّاع القرار الذين يضعون السياسات، و يبلورن الخطوط العريضة، و يحدّدون الموازنات لكافة المشاريع و البرامج الوطنية في مختلف المجالات.

إن من نافلة القول الإشارة إلى إنّ الدول المتقدمة كالولايات المتحدة، والدول الأروبية, و اليابان و إسرائيل تخصص موازنات مُعتبرة للبحث العلمي في الجامعات و غيرها من مراكز البحث و ذلك إدراكاً منها لأهمية البحث العلمي في مسيرة التنمية و التقدم بينما تخصص الدول العربية موازنات متواضعة للبحث العلمي لأسباب قد تكون عديدة ولكنّ منها بالتأكيد ضحالة الوعي بضرورة البحث العلمي و أهميته في تطوير المجتمعات وتسريع تقدمها. و لكن إذا وضعنا جانباً مسؤولية صنّاع القرار على مستوى الدول و المجتمعات، فما مسؤلية الأكاديميا ذاتها في هذا الموضوع؟ و بعبارة أخرى كيف يمكن للأكاديميا العربية أن ترتقي بأدائها في المجال البحثي كي تصل إلى المستوى المطلوب؟ كيف يمكن لها أن توازن بين وظائفها الثلاث ( التدريس، والبحث العلمي، و خدمة المجتمع) بحيث لا يقتصر دورها على التدريس فحسب، و إنما يتعداه إلى المجال البحثي الحقيقي ذي القيمة والذي يتمخض بالضرورة عن خدمة مجتمعية ذات شأن.

إنّ هناك جملة مقترحات في هذا الصدد و لعلّ اهمها :

أولاً : تطوير سياسة بحثية لكل جامعة بحيث تكون نابعة من طبيعة المشكلات التي يواجهها مجتمعها المحلي ومجتمعها العام من جهة، ومن كفايات و تخصصات و إهتمامات باحثيها (و بالذات أعضاء هيئة التدريس، و الباحثين المتفرغين و بعض طلبة الدراسات العليا المتميزين ) .

إن هذه السياسة يجب أن تكون متصلة بالطبع بسياسة الدولة و همومها الوطنية و أولوياتها لإنّ الجامعة في النهاية هي جزء من المجتمع، و إحدى مؤسساته التي يجب أن تعمل بتوافق و إتساق مع مؤسساته الأخرى في ضوء سياسة وطنية مدروسة و متفق عليها.

ثانياً : تدريب الباحثين الأكاديميين على كيفية إجراء البحوث العلمية بأسلوب منهجي رصين .

صحيح أن كثيرين من هؤلاء يتقنون – بحكم تخصصاتهم على مستوى عالٍ – المهارات البحثية الضرورية، ولكنّ كثيرين منهم ايضاً قد لا يكونون متمرسين حقاً بإجراء البحوث العلمية، و إختيار موضوعاتها المهمة التي لا تنفع فقط لأغراض الترقية، وإنما لأغراض مجتمعية أكثر اهمية.

ثالثاً : تطوير نظام حوافز مادية و معنوية للباحثين بحيث يشعرون بأنهم يقومون بعمل هام ذي قيمة لهم و للمجتمع من جهة، و بأن هذا العمل الشاق المضني له مردود مادي معتبر يحسّن أوضاعهم و يساهم في تمكينهم من العيش بكرامة من جهة اخرى.

رابعاً : تشجيع العمل البحثي الجمعي، و العمل على تشكيل فرق بحثية تتصدى لبعض المشكلات الهامة و الشائكة التي لا تحتاج إلى مهارة و خبرة باحث فقط، بل فريق متكامل من حيث الإختصاصات و الإهتمامات. إنّ هذه الأسلوب من العمل يتجاوز الروح الفردية و يخلق بالضرورة أهدافاً جمعية للباحثين الأمر الذي يكرّس مواطنتهم و روحهم العامة، وهذا قد لا يقل أهمية عن بعض فوائد البحث العلمي ذاتها.

خامساً : تخصيص موازنة مالية كافية للبحث العلمي بحيث تمكن من إجراء أبحاث علمية رصينة، و تحفّز الباحثين. إن هذه مشكلة حقيقية بالطبع في ضوء تراجع إقتصاديات بعض الدول العربية و تنامي عجوزاتها المالية، ولكنّ الواقع هو ان البحث العلمي يحتاج إلى اموال طائلة، ولكن في نفس الوقت ينتهي بعوائد معتبرة ليس فقط للباحث ولكن للوطن و المجتمع.

سادساً : خلق بيئات بحثية محفّزة للجامعات العربية، وذلك من خلال توفير مكتبة غنية بالكتب و المجلات و كافة الإمكانيات الألكترونية، ومن خلال الإشتراك في الدوريات العالمية، ومن خلال عقد المؤتمرات العلمية و تمكين أعضاء هيئة التدريس و الباحثين من المشاركة في الفعاليات العلمية داخل البلد و خارجه، وذلك إضافة إلى تسهيل " الزمالة " العلمية بين الباحثين على المستويات كافة : الوطنية، و الإقليمية، و العالمية. إن هذا الفهم نابع من أنّ العمل البحثي ليس عملاً فردياً معزولاً بل هو عمل جماعي ( حتى حين يقوم به باحث منفرد ) يتم في بيئة بحثية خصبة تشجع، و تحفز، و ترضي، و تلهم وصولاً إلى الهدف المرسوم.

نائب رئيس جامعتي : مؤتة وجرش سابقاً .

2016-11-10 19:30 GMT+02:00 . Net
:
التعليم في الأردن : لماذا كل هذا التراجع ؟

د.أحمد بطّاح

لقد بدأ التعليم في الأردن متواضعاً منذ نشأت إمارة شرق الأردن في عام 1921 م ، وقد ورث الأردن ككيان سياسي بعض المدارس الإبتدائية والمتوسطة من الدولة العثمانية ، وتشير الوقائع التاريخية إلى أن عام 1926 م شهد أول ظهور مدرسة ثانوية في الأردن وهي مدرسة السلط الثانوية ، ويمكن القول أنّ ما بين إنشاء الإمارة (1921 م) وبداية الخمسينات لم يشهد الأردن أي نهضة تعليمية حقيقية ، بل إقتصر الأمر في الواقع على زيادات في أعداد المدارس ، والمعلمين ، والمديرين ، والمفتشين ( المشرفين التربوين ) تتناسب مع أعداد السكان وإحتياجاتهم .

لقد بدأت النهضة التعليمية الحقيقية في الأردن مع بداية الخمسينات ، حيث إستقل الأردن في عام 1946 م ، والأهم من ذلك حدوث النكبة الفلسطينية في عام 1948م ونزوح الألاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى الأردن ومن ثم توحد الضفتين ( الغربية والشرقية ) وتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية .

لقد أدى هذا التطور الكبير إلى زيادة كبيرة في أعداد السكان وفي تنوع إحتياجاتهم التعليمية مضافاً إلى ذلك وجود أعداد كبيرة من المؤهلين تربوياً بين النازحين الفلسطينين ، الأمر الذي مكّن الدولة الأردنية ليس فقط من مضاعفة أعداد المدارس والكوادر التعليمية بل من إحداث نقلة نوعية في الخدمات التعليمية المقدمة للطلبة ، فضلاً عن تطوير التشريعات التربوية التي تُوجّت بإصدار قانون التربية والتعليم رقم (16) لعام 1964 .

والواقع أن النهضة التعليمية في الأردن إكتسب زخماً برغم هزيمة 1967 م وإحتلال الضفة الغربية ، حيث تلا ذلك حرب 1973 م وصعود أسعار النفط الأمر الذي مكّن الأردن من تجاوز محنة 1967 م والإفادة من المساعدات الخليجية ( التي زادت بحكم إرتفاع أسعار النفط ) بحيث يمكن القول أن ذلك إستمر بصورة أو بأخرى ، وبمستوى أو بآخر إلى بداية التسعينات وحدوث حرب الخليج الأولى في عام 1991 م . لقد كانت هناك تجليات كثيرة لهذه النهضة تمثلت في مضاعفة أعداد المدارس ، وأعداد الطلبة ، وتحسين تأهيل المعلمين ، والمديرين والمشرفين التربويين ، وإرتقاء بمستوى البيئة المدرسية ويمكن القول بدون مبالغة أنّ هذه المرحلة ( 1950 – 1990 ) كانت ذروة نمو وإزدهار النظام التعليمي في الأردن ، ولا نبالغ أيضاً إذا قلنا بأن مخرجات هذا النظام التعليمي كانت محل تقدير ليس فقط في داخل الأردن بل في دول الأقليم ، بحيث بدأت هذه الدول إستقطاب هذه الكفاءات الأردنية ومحاولة الإفادة منها ليس فقط على صعيد التعليم ، بل على صعيد وضع المناهج ، وبلورة السلم التعليمي المناسب ، ووضع الخطط الإستراتيجية للأنظمة التعليمية ، وإنّ مما لا شك فيه أن النهضة التعليمية في الأردن أفادت من تأسيس الجامعات الأردنية تباعاً ( الجامعة الأردنية 1962 ، اليرموك 1976 ، مؤتة 1981 ..... ) حيث ساهمت هذه الجامعات بما لديها من خبرات وكفاءات في وضع المناهج ، وتأهيل الكوادر التعليمية ، ووضع الخطط التعليمية ، المناسبة ، ومن الضرورة بمكان الإشارة في هذا السياق إلى المؤتمر التربوي الأول الذي عُقد في عام 1987 م ، والذي وضع تصوراً منظومياً وشاملاً للإرتقاء بالنظام التعليمي وبمساهمة سخية من البنك الدولي ، حيث أوصى المؤتمر الذي عقد بمشاركة مجتمعية واسعة بضرورة الإرتقاء بالتعليم من جميع جوانب : التلميذ ، والمعلم ، والمنهاج ، وطرائق التدريس ، والإدارة المدرسية ، والإشراف التربوي ، والبيئة المدرسية والتشريعات المدرسية ، كما تمّ بناءً على توصيات المؤتمر تأسيس المركز الوطني للبحث والتطوير التربوي ( المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية لاحقاً ) لرصد التطوير التربوي من خلال إجراء التقييمات ، والدراسات ، والأبحاث ، وصولاً إلى تعظيم النواتج التربوية وجعلها أكثر ملاءَمة لمتطلبات المجتمع الأردني .

أما المرحلة الثالثة ( الأولى منذ تأسيس الإمارة وإلى 1950 ، والثانية من 1950 – 1990 ) فقد شهرت بداية تراجع النظام التعليمي في الأردن وإلى الدرجة التي أصبحنا نشكو معها من تدني مستوى النوعية ، وعدم مواءمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل ، وتراجع مستوى الكوادر التعليمية ( المعلم ، المدير ، المشرف التربوي ) ، وعدم مناسبة المناهج لتعليم العصر وحقوق الأنسان ، وقد قاد هذا كله إلى تشكيل لجنة ملكية لبلورة إستراتيجية وطنية لتنمية الموارد البشرية إشتملت على خطة وإصلاح التعليم في السنوات العشر القادمة ( 2016 – 2025 ) .

ولكن يظل السؤال قائماً : لماذا حدث التراجع أصلاً وبخاصة أننا كنا بصدد تطبيق توصيات المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي في عام 1987 م ؟

لقد كان ذلك عائداً إلى جملة عوامل وأسباب لعل من أهمها :

1) إكتظاظ المدارس بأعداد كبيرة من الطلبة بسبب موجات النزوح التي شهدها الأردن ، وبالذات بعد إحتلال العراق للكويت وعودة أكثر من (300,00) ألف فلسطيني إلى الأردن ، فضلاً عن قدوم كثير من العراقيين إلى البلاد بسبب الأوضاع التي شهدها العراق بفضل الحرب والحصار لقد أصبحت مسؤولية وزارة التربية والتعليم في هذا الوضع هي إستيعاب الطلبة الجدد وتعليمهم ولو بالحد الأدنى وليس محاولة توفير الفرصة التعليمية النوعية لهم .

2) تراجع عائدات الدولة من المنح والمساعدات بسبب موقف الأردن من أزمة الخليج الذي لم يكن مقبولاً من دول الغرب ، ولا من دول الخليج . وإذا أخذنا بالأعتبار أن هذا الشّح الطارئ في المنح والمساعدات جاء في وقت أحوج ما تكون فيه وزارة التربية والتعليم إلى الأموال لبناء مدارس جديدة ، وتأهيل الكوادر اللازمة أدركنا أن هذه المعضلة المالية جاءت في أسوأ الأوقات وانعكست سلباً على كافة جوانب العملية التعليمية .

3) التغيير المستمر في موقع وزارة التربية والتعليم وبالذات في الفترة الواقعة بين1990 – 2000 م ، ( من المعروف أن معدل بقاء الوزير في الحكومات الأردنية هو 11 شهراً تقريباً ) الأمر الذي لم يمكّن من متابعة توصيات المؤتمر بصورة كافية ، بل وصل الأمر إلى حد أن بعض وزراء التربية والتعليم أعلن بطريقة غير مباشرة عن عدم إيمانه بتوصيات المؤتمر ، وأنّه غير معني بتطبيقها .

إنّ تعاقب الوزراء السريع في الحكومات الأردنية كان يقود في الكثير من الأحيان إلى فقدان عنصر الأستمرارية والديمومة المؤسسية – وبخاصةً إذا تذكرنا أن الوزير في الأردن وكما هو الحال في معظم الدول النامية – هو مسؤول سياسي وفني يتابع أمور الوزارة ويتدخل فيها .

4- تجلّي ظاهرة عدم تجاوب النظام التعليمي مع متطلبات سوق العمل ، وبالذات مع إغلاق سوق العمل الخليجي في وجه الأردنيين بسبب موقفه من أزمة الخليج ، وللإنصاف فقد كانت هذه مشكلة في الأردن على الدوام بسبب محدودية سوق العمل الأردني ، وإعتماده على دول الأقليم ، والواقع أن الأردن نجح وحتى بداية التسعينات في تخريج أعداد كبيرة من المتعلمين ، ولكنه وصل حد الإشباع مع بداية التسعينات ، ولذا كان لا بدّ وقفة من مراجعة لإستبدال التركيز على الكم ((Quantity ، بالتركيز على النوع (Quality).

5- تزامن تراجع النظام التعليمي على المستوى العام ( التعليم العام ) مع تراجع التعليم العالي ، فمن المعروف أن التعليم العالي في الأردن بدأ متواضعاً في عام 1951 ( سنة بعد الثانوية لتخريج معلمين ) ثم تبلور قوياً بإنشاء الجامعة الأردنية عام 1962 تلتها جامعات اليرموك ( 1976 ) ، ومؤتة ( 1981 ) ، والتكنولوجيا ( 1986 ) ، لكنه بدأ يتراجع مع بداية التسعينات لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ، ولكن المهم في هذا السياق هو أن التعليم العام والتعليم العالي هما حلقتان متصلتان فالأولى تقود إلى الثانية والثانية تقود إلى الأولى ، ولذا لا غرابة في أن نجد هذا التأثير المتبادل والذي ظهر جلياً في بدء تراجع التعليم العالي مع بداية التسعينات .

إنّ إحكام الصلة بين التعليم العام والتعليم العالي أمر مفقود إلى درجة كبيرة في الأردن ، وما لم يتم يطوير آلية لإحكام هذه الصلة فإن من الصعوبة بمكان إحداث الإصلاح التعليمي على المستويين ( العام والعالي ) في الأردن ، ولعلّ هذا الموضوع هو من الموضوعات الهامة التي يجب الألتفات إليها عند تنفيذ خطة إصلاح التعليم الجديدة ( 2016 – 2025 ) والتي تمخضت عن الخطة الإستراتيجية لتنمية الموارد البشرية في الأردن .

6- عدم تنامي القطاع الخاص بحيث يقوم بمسؤوليته في تحمل جزء من عبء النظام التعليمي . لقد دأب القطاع على تحمل تعليم ما يقارب (25%) من طلبة الأردن ، ولكن مع تزايد الطلب على تزايد التعليم بعد عام 1990 بسبب العوامل التي أشرنا إليها آنفاً لم يقم القطاع الخاص بدوره كما يجب ، بل الواقع أن كثيراً من المدارس الخاصة زادت رسومها بصورة غير معقولة وتفوق قدرة المواطن الأردني ، فضلاً على أن القطاع الخاص قام أيضاً بإنشاء بعض المدارس برسوم باهضة لا يستطيع إلا المواطن الثري إرسال إبنه وإبنته إليها ، الأمر الذي قد يقود لاحقاً إلى خلق نخبوية في التعليم ، بل إلى شرخ إجتماعي ، وبخاصة إذا تذكرنا أنّ هذه المدارس تركز على منظومة قيمية معينة ، وعلى بيئة إجتماعية معينة هي أقرب إلى البيئة الغربية منها إلى البيئة العربية الأسلامية .

7- تراجع مكانة المعلم :

لقد لعب المعلم دوراً تاريخياً في نهضة النظام التعليمي الأردني ، ورغم أنه لم يكن مؤهلاً بما فيه الكفاية مع البدايات ، ومع أن عائده المادي كان متواضعاً ، إلّا أنه كان مخلصاً ، وذا دافعية للقيام بمسؤولياته ، أما منذ التسعينات ( بداية التراجع ) فقد تدنّت مكانة المعلم الإجتماعية بشكل واضح ، وذلك بسبب تدني عائده المادي ( مقارنة بعوائد المهن الأخرى ) ، وضحالة تأهيله ، والتأخر في الموافقة على إنشاء نقابة له تراقب وتطور أداءه المهني ، وتدافع عن الحقوق المهنية وغيرها . إنّ المعلم – ويا للغرابة – يلجأ الآن إلى الدروس الخصوصية بل إلى غيرها وبما لا يليق بمهنته لسد حاجاته وحاجات أسرته ، ولذا لا عجب أن نرى عطاءَه قد قل وتراجع ، والواقع أننا ما لم نصلح وضع المعلم مادياً وإجتماعياً فلا أمل في إصلاح النظام التعليمي .

وختاماً فإن هذه هي أهم أسباب التراجع وعوامله قد تختلف في درجة أهمية بعضها ، وقد تكون عوامل أهم لم تتم الإشارة إليها بشكل كافٍ ، كما قد نختلف في تواريخ فترات النهوض والتراجع فهي تقريبية على كل حال ، والأمل معقود الآن لتجاوز هذا التراجع على خطة إصلاح التعليم الجديدة ( 2016 – 2025 ) وصولاً إلى مستقبل باسم لأبناء الأردن وأجياله القادمة .

أمين عام وزارة التربية والتعليم سابقاً

التعليقات

سمير (.) الأحد, 11/20/2016 - 07:04

شو القصة صاير تكتب د بطاح على فكرة عدد الجامعات العربية اكثر من ذلك بكثير والأفكار مع الاحترام مكررة

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)