TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي الواقع والمأمول
01/03/2017 - 6:45pm

الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي الواقع والمأمول
أ د سيف الدين الفقراء / جامعة مؤتة

لم أكلف نفسي عناءً مبالغاً فيه, وأنا أراجع الإستراتيجية الوطنيّة للتعليم العاليّ (2014-2018) ؛ لأنّ إعداد هذه الإستراتيجية استنزف من الجهد والورق والاجتماعات واللجان والمراجعات ما هو أكبر منها, حتى أنّ أحد رؤساء الجامعات السابقين علّق على الأمر؛ بأنّنا نعمل في الاستراتيجيات أكثر من عملنا في إدارة الجامعات, وقد شاركت في هذا العمل بشكل أو آخر بشكل مضنٍ, وهذا ما أتاح لي معرفة تفاصيلها.
لقد شارفنا على بلوغ عام 2018, وهذا يعني أنّنا على أبواب ربيع إستراتيجية جديدة للتعليم العالي, وبين القديمة والجديدة نحتاج إلى وقفة تأمل وتقييم لتلك الخطة التي أتعبت القائمين على وضعها. فالمحور الأول من الإستراتيجية يتعلق بالحاكمية, وهذه الحاكمية مناطها قانون الجامعات الأردنية , والقانون الساري هو قانون الجامعات الأردنية رقم 20 لسنة 2009, وقانون التعليم العالي, والقانون الساري هو رقم 23 لسنة 2009, وقدمت الخطة مقترحات لتعديل القانونين بهدف ضمان استقلالية الجامعات, ولكن لم يحصل أي تعديل على القانونين؛ إلا المشروع الذي قدّمه معالي وزير التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي, بعد أن شارفت الخطة على الانتهاء, مما يعني إخفاق وزراء التعليم العالي السابقين في إنجاز هذا المحور, ومع هذا جاء التعديل دون المستوى المأمول, ولا يحقق أهداف المحور الأول, ولكنّ مشروع التعديل يبقى خطوة في الاتجاه الصحيح.
أمّا المحور الثاني وهو سياسات القبول, فلم يحصل فيه تقدّم يذكر حتى في مشروع التعديلات المقترحة من الوزير الحالي, فما زالت كوتات أبناء القوات المسلحة, وأبناء المعلمين, وأبناء المخيمات, وأبناء ال(48) وأبناء العاملين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي, وأبناء الجسيم تحكم أسس القبول, وتطغى عليها الاستثناءات , أمّا الموائمة بين القبول وسوق العمل فمسألة بعيدة المنال في ضلّ الوضع القائم, ناهيك عن أنّ أسس القبول الحالية فيها من الظلم والجور ما هو بعيد كلّ البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص الذي يهدف إليه هذا المحور, والاقتراحات التي قدّمت في الخطة لتصويب الوضع ذهبت أدراج الرياح.
وفي محور التمويل لم يحصل سوى التراجع والتخبط في هذا المجال, فبعض الجامعات ترفع الرسوم أو رفعتها كما يحلو لها, وبعض الجامعات تعتمد على دعم الحكومة في تدبير رواتب عامليها, وبعضها يترنح تحت ضائقة ماليّة استنزفت جهود العاملين عليها, وقُدمت اقتراحات في الخطة لم تتبن الوزارة أياً منها في عهد الوزراء السابقين, والذي يثقل كاهل الجامعات قيام الحكومة بالسطو على الرسوم الجمركية والإضافية التي خصصت للجامعات, وغياب رسم دينار الجامعات عن التمويل, زيادة على إثقال الجامعات برسوم الجسيم وإعفاءاته وعدم تحقيق أي تقدم في التخلص من هذا البند , وغيرها من الإعفاءات التي تخسّر الجامعات عشرات الملايين, ناهيك عن غياب الرقابة الفاعلة على نفقات الجامعات, والإسراف في النفقات غير المبررة بشكل ملفت للنظر.
وفي محور البحث العلمي لم نلمس تقدماً ملحوظاً في إنتاجية البحث واستثماره؛ فالجامعات الأردنية ما زالت في مرتبة متواضعة جداً بين الجامعات في التصنيفات العالميّة, وتقدمها وئيد قياساً بالجامعات الأخرى, وربط البحث العلمي بالتنمية والصناعة وحاجات المجتمع لم يرق إلى المستوى الأدنى بعدُ, ونظام هيئة الباحثين الذي كان بنداً أساسياً في هذا المحور لم يستثمر سوى في إدخال ذوي الوساطة والمحسوبية إلى الكادر الأكاديميّ في التفاف على الأنظمة والتعليمات, والموازنات التي تخصصها الجامعات للبحث العلمي تستثمر في تغطية السفرات للمسئولين, وفي سدّ الاحتياجات اليومية , وقليلاً ما توجّه للبحث الاستثماري المنتج. ويبقى صندوق البحث العلمي معلماً بارزاً في النهوض بالبحث العلمي ودعمه ولكن إسهاماته ما زالت دون المأمول لأسباب كثيرة.
أمّا محور البيئة الجامعة فقد حققت فيه الكثير من الجامعات تقدماً ملموساً, غير أنّ ظاهرة العنف ما زالت تطفو على السطح, وظاهر الغش تتنامى, وظاهرة عدم الجدية في كتابة الرسائل الجامعيّة والاعتماد على الأبحاث والرسائل الجاهزة مسألة تتطوّر ووتّسع, وإذا ما قارنّا بيئة جامعاتنا ببعض الجامعات المحيطة من حيث النظام, والمحافظة على المرافق, والمشاركة في الدورات والندوات والنشاطات والعمل الجماعيّ, فإنّ نتائج المقارنة مخيّبة للآمال.
أما البرامج الأكاديمية فنجد فيها تجديداً في الاستحداث, ولمسنا تجديداً في الاستغناء عن بعضها الذي لا سوق له, أمّا تطوير المحتوى فهو مسألة لم ترق إلى مستوى المأمول الذي أرادته الإستراتيجية, فالخطط الدراسية قديمة وبالية, وأساليب التدريس تطورها محدود جداً, وتنمية المهارات للأكاديميين والفنيين مخيّب للآمال, وتطوير وسائل التعليم متواضع, وصياغة معايير أكاديمية وطنية مواكبة للمعايير العالمية مسألة غائبة عن ذهن المخططين, وتسلل خريجي الجامعات الضعيفة إلى الجسم الأكاديمي مظهر متنام. والتعليم التقني يحتاج إلى جهود كبيرة لتطويره وترسيخه في برامجنا الأكاديمية.
وتنمية الموارد البشرية وعلى رأسها الموارد الأكاديمية كان المحور الثامن للخطة, وخلال السنوات السابقة لم يحصل أي تطوير في آليات توطين الكفاءات الأكاديمية, فرواتبهم تتآكل بفعل الضرائب وتكاليف الحياة, واستقطاب كفاءات متميزة في ظل المنافسة بين الجامعات وبخاصة الإقليمية مسألة فيه صعوبة, والابتعاث إلى الجامعات العالمية ماض بصعوبة بسبب الأوضاع المالية للجامعات, والوصول إلى المعايير العالمية مسألة بعيدة المنال. وتحقيق العدالة بين الكفاءات في تقلد المناصب القيادية مخيّب للآمال ومحبط, ولعلّ فقدان الجامعات وبخاصة في الأطراف للكفاءات مسألة لا تحتاج إلى مزيد شرح.
إنّ هذا يضعنا أما حاجة ملحّة لمراجعة شفافة ومعمّقة للإستراتيجية, وما تحقّق من أهدافها, وما لم يتحقق, وما لن يتحقق منها, لنعرف كيف نقيّم عملنا وندرك مواضع النجاح والقصور والتقصير.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)