TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأمم الحية تحافظ على هويتها أ.د. محمد القضاة
12/10/2016 - 8:15am

الرأي- لا توجد أمة في الكون دون هوية واضحة المعالم، والهوية هي خصوصيّة الأمة وذاتها وثقافتها ولغتها وعقيدتها وحضارتها وتاريخها، وكل امّم الارض تحافظ على هويتها، ومسؤوليتنا الحفاظ على هويتنا من التغريب والتخريب والمؤامرات الكثيرة؛ فقد تعرضت في بداية القرن التاسع عشر للمؤامرة حين حاربوا العربية وطالبوا بكتابة حروفها باللاتينية وفشلت تلك المحاولات وغدت نسيا منسيا، واليوم نجد مجتمعنا امام قضية مهمة تثار في كل زاوية في بلدنا حول تغيير المناهج، وباتت الآراء متباينة لدرجة كبيرة، والأفكار في حركة جدل تصل حدّ التجييش، والامم الحية تؤمن بالتغيير والتطوير على مدار عمرها، وذلك لأنّ التغيير أساس الاستمرار والتطوير، والبناء يحتاج قواعد صلبة وثابتة، والإنسان محور الحياة والتغيير، وبناؤه يحتاج تفعيل كل الوسائل والمتغيرات للوصول للهدف المنشود.

سُقت هذه المقدمة للحديث عن التغيير الذي تتحدث عنه جهات كثيرة في بلدنا، وقد انقسمت بين معارض ومدافع، وانبرى عديدون لتقديم وجهات نظر متقاطعة، تؤكد معظمها على وجهة نظرها وتتشبث بها؛ وكأن أدوات الحوار في اجازة؛ وكأن الوطن يحتاج كل هذا التجييش في طرفي المعادلة؛ وكأن التحديات التي تطل برأسها على بلدنا غير كافية لفتح جبهات جديدة تكون رأس حربة للنيل من استقرار الأردن وشعبه الطيب، تغيير المناهج اذا تم بالصورة التي يتناولها المعارضون فإنها تحتاج للجلوس على طاولة الحوار، لنعرف أين يكمن الخلل في الاطار الذي تم فيه التغيير، وهنا لا بد من سماع مسوغات جادة وصريحة وواضحة لماذا حذف هذا وأضيف هذا؛ لأن مجتمعنا بحاجة للاستقرار والوئام وشد الأحزمة، وتحدياته كثيرة على الصعيدين الفردي والجمعي، وهنا يجب ان يكون الميدان التربوي هو الفيصل في القراءة والحوار، لا وسائل التواصل الاجتماعي، وان تسند هذه المهمة لعلماء ثقة ولجان محايدة، لجان متخصصة تقرأ بوعي الحاضر والمستقبل، لجان لا تعرف غير الحق ولا تقبل أنصاف الرأي ولا تنساق لأي رأي يسفّه عملها، لجان تدرك خطورة هذا التجييش الذي يجب ان ينتهي لصالح الوطن واستقراره وآمانه؛ لصالح هذا النشء الذي يجب ان يتم بناؤه على قواعد صلبة تحفظ هويته ولغته وعقيدته وتسامحه وإنسانيته وأخلاقه، بعيدا عن لغة الاتهام التي تتعارض مع ابسط قواعد الموضوعية والحوار؛ خاصة ان هذا الجيل تسرقه الأجهزة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا تترك للبيت والمدرسة القدرة على إعادة بوصلته الى وضعها الصحيح. حديث المجالس عن المناهج صار مغريّا أكثر مما يجب، وللأسف لا يضبطه ضابط ، العجلة فيه تدور وتطحن، وقناعة طرفي المعادلة في مرحلة شد وشد عكسي، وهو أمر يجب الفصل به، إذ لا يعقل ان تستمر هذه النقاشات بهذه الطريقة من الاتهام والاتهام المضاد، مطلوب من المسؤولين ان يقرأوا بعناية ردات الفعل بعيدا عن الفعل المضاد؛ لأن مصلحتنا واحدة، وبلدنا يحتاج الجميع في خندق الوطن للرد على المتربصين بِنَا ، ونحن نختلف لكي نأتلف.

أقول ان شعوب اسيا وافريقيا وأوروبا وأمريكا والعالم كله تحافظ على هويتها، ولا تقبل لأي مكون من اي أمة كانت ان تتدخل في مناهجها وهويتها واستقلالها، وعلينا ان نقرأ بوعي ماذا يعلّم الكيان الصهيوني ابناءه في مناهجه ومدارسه ومعظمها يؤكد على عدوانية العرب وهمجيتهم، وأنهم لم يتجاوزوا الصحراء وبيَت الشعر، وأن هذه الارض التي يحتلونها هي ارض شعب الله المختار اليهود، وليس للعرب وشعب فلسطين اي حق فيها، ومع ذلك تجدهم سعداء فيما يقدمونه لناشئتهم، ولا نسمع من اي طرف ينتقد مناهجهم؟!

إن مناهجنا الاردنية علمتنا الكثير المنير، وفتحت لنا آفاقا رحبة، وعلمتنا هويتنا ولغتنا وانسانيتنا، وبثت فينا روح التسامح والمحبة، وانا شخصيا درّست هذه المناهج من الاول الابتدائي حتى الثانوية العامة ، ولم يخطر ببالي للحظة واحدة أنّ مناهجنا غير صالحة، التطوير والتغيير يجب ان يشمل المناهج العلمية كافة ؛ المناهج الانسانية والعلمية: الفيزياء والرياضات والكيمياء والاحياء والعلوم الطبيعية وهي الأولى في التغيير والتطوير لأنها لغة العصر وأساس تقدمه، ولا نريد ان تفتح المناهج الانسانية شهية الكلام على مختلف الاتجاهات دون المناهج كلها، نحن بانتظار تغيير إيجابي يَصْب في مصلحة بناء الوطن وطلبته، يعزز لحمته الوطنية وهويته العربية الاسلامية، ولا نريد للأفكار البالية والجدل ان يستمر في زوايا لا تقدم شيئا غير الاتهامات والفذلكات السلبية. وبعد لنستمع لصوت العقل ولنقرأ بعمق ولننتظر التغذية الراجعة ولنناقش بهدوء لكي نصل بر الآمان؛ لأن التطوير والتغيير سنة محمودة في كل المستويات المدرسية والجامعية، ولا ثبات يبقى ولا سكون يرقى وفي الحركة بركة في الاطار المقبول والمعقول.

الرأي:  12/10/2016

mohamadq2002@yahoo.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)