TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
اسأل الحصان
10/07/2017 - 12:00pm

طلبة نيوز- د. محمد الشريفين

 
"يروى أن رجلا كان يركب حصانه، وكان يعدو بسرعة، رمقه رجل كان يقف على حافة الطريق، فقال له بصوت عال : إلى اين انت ذاهب؟ نظر اليه صاحب الحصان، وقال لا أدري. اسأل الحصان.... انتهت القصة!!!
يبدو أن معظم الناس حالهم كحال صاحب الحصان، الكل يعدوا من على ظهر جواده لكنه لا يدري إلى أين يسير به.
ما دلالة الحصان؟
تختلف دلالة الحصان من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى، ومن مذهب لآخر، ومن أمة لأمة.
سأذكر في هذه العجالة بعض الأنماط السائدة والتي تمثل الحصان:
النمط الأول: العادات والتقاليد. حيث لم يختر أي منا العادات والتقاليد التي يمارسها، بل اختيرت له دون ان يعي.
مبدئيا لا إشكال في أن يعيش الإنسان ضمن مجتمع أكسبه عاداته وتقاليده ولا اشكال البتة في اتباعه لهذه العادات والتقاليد، ولكن الإشكال في أن يشتق الإنسان من عاداته وتقاليده التي اكتسبها معيارًا يحكم من خلاله على العادات والتقاليد الأخرى.
من مظاهر ذلك أنك ترى كثرة كاثرة تستهزئ بعادات وتقاليد كثرة كاثرة، مما يؤدي إلى لون من ألوان الصراع الاجتماعي المفضي إلى التنافس السلبي في المظاهر المكلفة والتي تؤدي إلى تحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي. 
وهنا أشير الى أثر سلبي آخر للحصان يلاحظ في جامعاتنا حيث يكثر استهزاء الطلبة بعضهم ببعض بسبب اختلاف العادات والتقاليد، مما يؤدي إلى لون من ألوان العنف الجامعي فضلا عن الإحباط الذي يعيشه الطالب المستهزئ به بسبب العادات والتقاليد 
النمط الثاني: الطائفية.
سألت أحد طلابي :ترى لو أنك ولدت في البلد الفلاني ؟ ماذا ستكون؟ قال لي مستهجنا لا أدري؟ قلت له: أنا ادري ستكون من أتباع الطائفة الفلانية. قال لي مستحيل.انني اعتقد أنهم شر من كذا وكذا. ولا شك في أنه لو ولد في ذلك المكان لكان من أبناء تلك الطائفة.
لم يختر اي منا الطائفة التي ينتمي إليها، وهذا يعني بعبارة بسيطة أننا بشكل عام لسنا فاعلين في اختيارنا للطائفة التي ننتمي إليها، وهي الحصان التي يسير بِنَا إلى حيث يشاء هو. 
اذا كان ذلك كذلك فلماذا يعيب الواحد منا على الآخر؟ مادام كل منا لم يختر الطائفة التي بنتمي إليها؟هل الصراع على أساس الطائفة هو صراع مشروع؟ وهل بإمكاننا أن ننهي ظاهرة العبث بالطوائف واستخدامها كأداة لتحقيق مكاسب ضيقة.
النمط الثالث: المذهب.
تنتشر المذاهب العقدية في عالمنا الاسلامي بشكل لافت، وذلك داخل الطائفة الواحدة فَلَو اخذنا ما اصطلح عليه بمذهب أهل السنة والجماعة، وأخترنا مدرستين فقط: الصوفية والسلفية، لوجدنا أن المدرسة السلفية تحوي في طياتها أكثر من خمسة وخمسين مذهبا، وأزيد من حاصل هذا الرقم مضروب بعشرة للمدرسة الصوفية!!!
لو سألنا من ينتمي لأي منها لوجدنا أن الغالب لم يختر مذهبه، والمذهب بالنسبة له حصان، وكل قد نشأ في بيئة أملت عليه معطياتها أن ينحاز لمذهب دون آخر، وسواء كانت البيئة المحيطة او الاعلام الرسمي، أو الاعلام بشكل عام هو الذي أطر الإنسان، فالنتيجة واحدة: أنه إنسان مؤطر، مفعول به لا فاعل، الفاعل مجهول معلوم لغيره.
هناك أنماط أخرى للحصان منا ما هو أكثر حساسية ومنها ما هو أقل أهمية، يهمني من إيرادها أن ألفت أنظار المهتمين إلى ضرورة الوعي بتصرفاتنا المتعلقة بإصدار الأحكام على الأخر المخالف. وذلك من خلال الوعي بالحصان الذي نركب.
 
 
كما أدعو المثقفين من خلال هذا المقال أن لا يقودهم حصان العصبية لأي من الأنماط السلبية، وأن لا يخضعوا لسلطة العامة أو الساسة أو الموروث، وأن يصغوا إلى نداء الشاعر الفراتي القائل:
جريت على طبعي بتيار فكرتي.... ولم أنجرف يوماً كغيري بتيارِ 
ولم أستعر للشدو مزمار شاعر.... وحسبي فخراً أن شدوت بمزمارِ
لقد دعانا القرآن الكريم الى ضرورة التعرف على الآخر، على نمط تفكيره على عاداته وتقاليده على طائفته على مذهبه قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
الاعتراف بوجوده، الإقرار بالتنوع،  الاعتراف به، ولا شك أن كلمة تعارفوا تحمل في طياتها: 
قبل ذلك فقد دعانا القرآن الكريم الى ضرورة الوعي باختياراتنا قال تعالى"قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
نسأل الله تعالى ان يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)