الكاتب: عبدالهادي راجي المجالي
طلبه نيوز

لي أخ إسمه ( أبو زيد) , أسمر مثل التراب في الكرك , وأصلع قليلا مثل قلة المساحات الخضراء فيها , وهو لا يملك شهادة فاخرة من جامعة فاخرة , هو مجرد متقاعد من الحرس الملكي ..وتلك ربما في نظرنا , نحن عشاق القمح والذين ننتظر المطر في الشتاء , وندقق في فاتورة الكهرباء كثيرا...تلك في نظرنا أهم من كل الشهادات .يسألني الناس لماذا أصبحت قليل الكلام وقليل المقالات , أصمت وأقول أن الرأي لم تعد تحتملني , أضع كل اللوم على الرأي ,وفي داخلي أكذب ...ذاك أن قلبي هو الذي لم يعد يحتمل ...وضيق الخاطر صار ملازما , صار بلوى (في الحشى تستظل) ...وكأني كل صباح على موعد مع (ابو الرشيد) على موعد مع الغناء له أو المناجاة :- ( يا أبو الرشيد قلبنا اليوم مجروح جرحا غميق بالحشى مستظل) .( أبوزيد) , فجأة ومن دون سابق إنذار قرر الأطباء له , أن يبدأ بغسل الكلى لم يتركوا مكانا في جسده إلا وزرعوا له فيه أشياء لا أعرف ماذا يسمونها بالإنجليزية وتتعلق بغسل الكلى ...وأنا صدمت أمس حين وجدته , ممدا بجانب جهاز ضخم والجهاز يسرق دمه ثم يعيده إليه ...وأنا عند كل موعد أذهب معه , تارة عند الطبيب عيسى الكواليت وتارة عند العميد الرائع (ابو يزن العتوم) ..وتارة نزور وزير الصحة , واصبحت أنا من يحتاج قلبه للغسل , ذاك ان الأيام أتعبت الشرايين وأتعبت كل دفقات الغرام , كان قلبي يبتسم للعمر ..والان عابس متجهم على أبواب غرف غسيل الكلى في المستشفيات .ولست أرى يا ( أبا زيد) هل أنت المريض أم أنا ؟ ...ولكنه العمر الذي يحمل لنا في كل درب أزمة , ونحتمل ..ومثل الجبل الذي يأوي الصخر على جنباته , نحمل الايام بكل ثقلها ونمضي ..كل ما نبغيه , أن نصحو ذات يوم والقلب يبتسم بحثا عن الرضى وراحة البال .وها أنا أمضي صباحاتي في مراسلة المستشفيات , وإرسال التقارير عبر ( الإيميل) بحثا عن مكان تستطيع فيه أن تزرع (الكلى) ,وتأتيني أجوبة من أطباء ومن مستشفيات , وأحيانا أطبع (لأبي زيد) أخبارا من (جوجل) عن الطب وكيف توصل إلى علاج جديد للزراعة ...وكأني مشتق من كلام المتنبي حين وصف حاله ذات ألم مر به :- ( على قلق كأن الريح تحتي تسيرني يمينا أو شمالا) ...لك الرضى كل الرضى يا أخي وصديقي ورفيق دربي , وذات يوم سنقهر تلك البلوى ..وسنطوف بالصبر , أو نتركه يطوف بنا ..وسنعمد هذي الايام العصيبة من ماء (عين ساره) في الكرك ...فلا تجزع إذا قررت الأيام أن تختبرك ...فأنت في لحظة تخوض كل معارك الاخرين , وعند نفسك تقف , وتتأمل ولا تدري ماذا تفعل أو بماذا ترد . صرت مقيما في المشافي , صرت أعرف منسوب الصوديوم ومنسوب البوتاسيوم وصرت أعرف قوة الدم , والسي بي سي , صرت أعرف كل شيء ..ولكن كل ما أبغيه من العمر هو (ابو الرشيد) ...أريد أن أجلس معه وأنادي عليه بكل ما في الروح من وجع , وبكل ما حملت لي كربلاء من البلوى وأقول له :- (يا بو الرشيد قلبنا اليوم مجروح جرحا غميق بالحشى مستظل) ..أقول له :- لقد عجز الأطباء عن مداواة أخي يا (أبا الرشيد) فدلني على العلاج ..دلني يا أبا الرشيد .