TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أشياءٌ صغيرةٌ ...ولكنْ؟! أ.د. محمّد القضاة
09/03/2017 - 8:15am

  تقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي أشياء لا تخطر على بال، اساسها الخيال، وواقعها هلامي، كتابات تغث البال، وتؤشر على تحاسد غير مسبوق يفضي إلى قتل الهمة والعمل الجاد، وتؤكد انقلاب المفاهيم، وتعزز اللاقيمة واللامعنى على حساب اي فعل له قيمة.

   وحين تنظر حولك، وتقرأ ما يحيط بك، وتشاهد التباغض والتناحر وحجم الكراهية والنفاق، ترى ان الصحيح يغيب ليحضر مكانه الدجل والنفاق والكذب، وهو غياب يذكرنا بغياب الأسود عن الغاب، لتخرج الثعالب والسحالي من جحورها، وحينها تصمت، وتبلع ألمك وتمضي الى أمد بلا نهاية.

الأمثلة لا تعد ولا تحصى، والناس مشغولون ببعضهم بعضا لدرجة غير مسبوقة، ومن المفيد ان نقرأ بعناية ما يحيكه الناس ويكتبونه هنا وهناك دون حساب للنتائج ، ودون تقدير للرأي العام الذي يعد الضابط المنطقي لإيقاعات المجتمع، ومن الأمثلة على ذلك؛ "النواب يطالبون برفع رواتب من تقل رواتبهم عن 500 دينار"، هذه المطالبة على أهميتها! تطرح سؤالاً : هل يمكن مساواة الناس في الرواتب والرتب؟ الأصل ان يتمايز الناس في كل شيء حتى الرواتب والرتب، وكلّ حسب شهادته ووظيفته؛ لان تشويه سلم الرواتب برفع جهات وتخفيض اخرى أمر غير مقبول لا بالأعراف الادارية ولا بقوانينها. وهذا مثال اخر: "ناشطون في مجال الشفافية يرصدون حركة السيارات الحكومية بعد ساعات الدوام ، الناشطون ينشرون صور السيارات على مواقع التواصل"، ياسلام المثل يقول:" غاب وجاب"، وسؤالي للناشطين اذا كان من خُصصت له هذه السيارة لا يملك سيارة خاصة هل نمنعه من استخدام هذه السيارة ؟ ما لكم وما لسيارته! هناك جهات رقابية تعرف ذلك ، وصاحب السيارة هو المعني بذلك لا الناشطين الاشاوس! وهناك مثال اخر منشور في احد المواقع الالكترونية يقول: "خصومات رواتب وزراء ومسؤولين بالحكومة وحسب القرار فانه بخصم 10% من رواتب المسؤولين الذين يزيد راتبهم عن 2000 دينار، فأن الخصم  يصل الى 450 دينارا على رواتب بعض المسؤولين، اي ضعف الحد الادنى للاجور المخصص لعامة الشعب". بالله عليكم هل يجوز ان يستمر الهذر بهذه الطريقة؟ هل تعلمون ان بعض الوزراء كانت رواتبهم قبل الوزارة اكثر من عشرين الف دينار ويزيد؟! والآن تم تنزيلها، وكل يوم تعليقات وانتقادات بلا معنى ، هل نساوي الوزير بالموظف ؟ من يتحمل المسؤولية ؟ آن لكل واحد ان يعرف حجمه ووزنه وإلا يتطاول على من هو أعلى منه؟! لأن الامر زاد عن حده، ومن غير المعقول أن تُشغل وسائل التواصل الاجتماعي الناس في حيص بيص، وتسرقهم الى التطرّف والاراء (الغلط) التي تبعدهم عن أعمالهم التي تحتاج الدقة والعطاء والتميز.

من يقرأ ويتابع كلام الناس وتعليقاتهم وفسفساتهم وفيساتهم، يرى العجب العجاب من انشغال الناس ببعضهم بعضا، و(ما حدا عاجبه حدا)، تجده لا يقرأ ولا يكتب ويناقش ويضع حلولا  لكل شيء، تجده يفهم في الطب والسياسة والزواج والتربية والتعليم والجامعات والتطرف والشعوذة وازمة السير والبطالة والفقر وله نظريات ورأي في كل شيء!! (ناس مثقفه على الاخر!)، اقول لا يمكن ان يتساوى الناس ؛ لان عقولهم وتعليمهم وقدراتهم ومسؤولياتهم متباينة، الناس مختلفون، وما اتمناه ان يقرأ كل واحد قول الشاعر:

اصبر على كيد الحسود....فان صبرك قاتله

فالنار تأكل نفسها ....    ان لم تجد ما تأكله

قول يشخّص هؤلاء ويلخص ما وصلوا اليه من حسد وألم يدق في عضدهم، ولتقرأ ايضا قول شاعر آخر وما يلقاه الحسود حين تتجاهله كي يدرك هؤلاء مآلاتهم ونتائج حسدهم:

دع الحسود وما يلقاه من كمد ...يكفيك منه لهيب النار في كبده

ان لٌمت ذا حسد نفًست كربته ... وان سكت فقد عذبته بيده

ايا حاسدا لي علي نعمتي ... اتدري على من أسات الأدب

وما تقرأه في هذه الوسائل اساسه الحسد الذي لا بد في النهاية أن يقتل أصحابه ويحرق أكبادهم ، وتراهم يزينون أكاذيبهم ويصدقونها؛ كأنها حقائق واقعية يعيشونها، مع انها أكاذيب لا نهاية لها .

وما يؤسف له في هذه الأشياء الصغيرة أنّ الإثارة غدت عنوانها، والهدف الأبعد اثارة سخط الناس على وقائع موهومة وافكار مغلوطة، تغيب عنها الدقة والمعلومة الصحيحة .

   وبعد؛ فقد أضحت الكتابة في وسائل التواصل متعبة ومتابعتها اكثر تعباً؛ لأنها تبدو دون حسيب أو رقيب لمن يضطجعون في فراشهم ويدبحون حروفهم على الطالع والنازل؟! وهم لا يدركون كم الاذى الذي يلحق بالمجتمع والناس بسببهم، حتى بات اغتيال النجاح عنوان كتاباتهم ، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد؛ وإنما وصل الى الكذب والكذب المضاد عند بعضهم ممن يستمرأون العزف على أوتار الناس، وهم يعرفون ان حبل الكذب قصير وأكثر مما يتوقعون.

اقول : إن غياب المسؤولية في الكتابة يفقدها اساس وجودها؛ لان الكلمة مسؤولية ترفع وتبني وتعلي البنيان او تهدم المجتمع من اساسه، وما تبتدعه وسائل التواصل الاجتماعي من عواصف إعلامية غير دقيقة؛ تثيرها وتتناقلها بسرعة البرق دون التأكد من صحة المعلومة كما حدث في موضوع المحروقات وغيرها، يؤكد ضرورة الموضوعية وإعادة القيمة للاشياء الصغيرة والكبيرة على قاعدة من الاحترام والمسؤولية .

mohamadq2002@yahoo.com

 

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)